علي خاجه: سالفة كويتية

رجل أعمال يملك الكثير من الأموال، ولكي يستثمر أمواله وظّف مختصين بمؤهلات عالية ليختاروا المشاريع المربحة وينجزوها، وشرح لهم الأدوار المنوطة بهم بدءاً من التفكير بكيفية استثمار أمواله، واختيار الأنسب من المشاريع والشروع بتنفيذها، وسلّمهم القيادة وقاموا بأعمالهم كما رسمها لهم.
قاموا باختيار مشروع مالي ضخم، وأفضت دراساتهم إلى جدواه الاقتصادية وانطلقوا في تنفيذ إجراءاته ملتزمين بخارطة الطريق التي وضعها لهم رجل الأعمال بحذافيرها، فقام رجل الأعمال فجأة بإلغاء المشروع مما كبده خسائر من جراء التراجع عنه، فلم يكن منه إلا أن أوقف موظفيه عن العمل، والسبب أن قرار إلغاء المشروع الصادر منه شخصياً تسبب في خسارته للأموال!!
تلك هي آخر حلقات مسلسل الداو وكيف تعاطت الكويت معها، بغض النظر عن حقيقة جدواها الاقتصادية، إلا أن ما قام به قطاع البتروكيماويات في تلك الصفقة سليم قانونياً، ولم نسمع أبدا من معارضي المشروع طوال الفترة الماضية عن أي تجاوز قانوني منهم، كل ما في الأمر أن المعارض كان يعتقد أن الصفقة خاسرة والمؤيد يعتقد أنها مربحة، وفي الحالتين تلك ليست مسؤولية لا المعارض ولا المؤيد بمجلس الأمة طالما الأمر لم يحد عن إطار القانون، ومن يقيم الجدوى من عدمها هم أصحاب الاختصاص ممن وظفتهم الدولة لممارسة اختصاصاتهم، فإن لم يقوموا بها بالشكل المطلوب فلا بد من معاقبتهم إداريا ومعاقبة من عين الشخص غير المناسب كذلك، أما إن التزموا بدورهم فهم أصحاب الكلمة العليا في نطاق اختصاصهم وتوصيفهم الوظيفي.
المسألة بسيطة دفعنا أكثر من ٦٠٠ مليون دينار لأن رئيس الوزراء لم يرغب في صعود منصة الاستجواب رغم أنه كان يحظى بدعم أغلبية المجلس حينذاك، إلا أنه لم يتقبل حينها أن يواجه منصة الاستجواب، فضرب بكل الدراسات المختصة والآراء المهنية التي تتقاضى رواتب نظير آرائها كي لا يواجه الاستجواب، والمصيبة أنه رغم ذلك لم يفلت من الاستجواب بل وجه إليه استجواب آخر فرفع كتاب عدم التعاون وحل المجلس، وصعد المنصة بالمجلس الذي يليه مباشرة، بمعنى أننا دفعنا ٦٠٠ مليون دينار كي لا يصعد رئيس الوزراء المنصة في ديسمبر على أن يواجه الاستجواب بعدها بأشهر قليلة.
والنتيجة اليوم إيقاف الموظفين ممن لا يد لهم في إيقاف صفقة الداو وإلغاؤها وإحالتهم إلى النيابة، وسمو رئيس مجلس الوزراء السابق لا يحمَّل أي وزر من جراء ما اقترفته يداه مع وزرائه حينها!! هكذا نتعاطى مع أزماتنا ونتوجه إلى المكان الخطأ بحجة حلها، فلا هي التي تحل ولا نحن نتقدم طبعا.
يولد الطفل؛ يتلقى التعليم من الدولة؛ يتخصص في مجاله؛ يتوظف في قطاع حكومي ما؛ يؤدي مهامه؛ يتولى منصباً قيادياً؛ يمارس اختصاصه فيه؛ يقر أمراً قانونياً في نطاق اختصاصه؛ يلغيه المسؤول غير المختص بسبب الخوف أو المصلحة؛ يعاقب الموظف ويستمر المسؤول، “سالفة كويتية” تعيش بيننا في كل المجالات.
خارج نطاق التغطية:
لو حولنا الكويت إلى كيان تجاري توزع الأرباح فيه بناء على النجاح الإداري، فهل سينتخب الكويتيون المسؤولين الحاليين لإدارة هذا الكيان التجاري؟
المصدر جريدة الجريدة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.