سرت في البلاد في المدة الأخيرة موجة من التشاؤم لم يسبق لها مثيل، شملت جميع مناحي الحياة، فلا تنتهي موجة حتى تبدأ أخرى، وكأن هناك من يحرك اللاعبين من خلف الستارة، أو أن هناك منهجاً يتم تنفيذه لإدخال البلاد وأهلها في دوامة من التشاؤم والكآبة، والغريب أن من يتعرض لهذه الموجات هو المواطن، أما الوافد فيحمد الله على أنه يعيش على هذه الأرض الطيبة داعياً الله أن يواصل حياته في هذا البلد الطيب.
ومما يدعو للأسف أن من يقود هذه الموجات من التشاؤم أساتذة وخبراء واختصاصيون وكتل سياسية وإعلامية وغيرها، ونتساءل ما الهدف من هذا الكم الهائل من التشاؤم؟
ففي المجال الاقتصادي حفلت أجهزة الإعلام بكل أطيافها بتصريحات لعدد من الأساتذة والمختصين الاقتصاديين، تكاد تتفق في مجملها على أن الدولة مقبلة على أزمة مالية، قد تؤدي إلى عجز كبير في الميزانية إلى درجة عدم التمكن من تسديد رواتب الموظفين, كما عقدت ندوات انتهت إلى نتائج تشير إلى قرب إفلاس الدولة وأرقام هائلة عن حجم البطالة.
كما أشارت إلى عدد هائل من السرقات المالية والإخفاقات الحكومية, ونتساءل إن كانت هذه الأرقام متوافرة عند بعض الأفراد والجمعيات المدنية، فهل هي غائبة عن الحكومة؟ ومن باب الذكر فقد أعلنت الحكومة من خلال الجهة المالية المختصة أن الدولة قد حققت فائضاً مالياً يتجاوز العشرين ملياراً في حين قامت الدولة بصرف ما يقارب السبعة مليارات دينار خلال السنوات العشر، تمثل بكوادر وهبات وزيادة رواتب، ولم يؤدِّ ذلك إلى إفلاس الدولة.
ونتساءل أيضاً: لماذا توجه هذه التحذيرات للمواطن؟ وما المطلوب منه أن يعمله, أما إن كانت هذه التحذيرات للحكومة فهل المطلوب منها اتباع سياسة “شد الحزام” وتخفيض الرواتب.
وقد وصل التشاؤم مداه لدى بعض الناشطين السياسيين ليتنبأ بالوصول إلى “حرب مجاعة” كما حدث في بعض الدول, ونقول: “حنانيك ربي بوطني احفظه من أبنائه أما أعداؤه فنحن كفلاء بهم”. ثم يبدأ ماراثون التشاؤم وتتوالى الأخبار والتحذيرات بأن المنطقة مقبلة على كوارث وزلازل مرعبة قد تؤدي إلى تدمير البنية التحتية لبعض المدن الخليجية، ولا نعرف الهدف من هذه التحذيرات، فالكوارث الطبيعية لا يمكن التنبؤ بها، وهناك دول أكثر منا تقدماً لم تستطع مواجهتها، ولعل تسونامي اليابان ليس بعيداً.
وما كادت هذه الموجة تتلاشى حتى بدأت موجات أخرى بالتوارد بأن مياه الشرب ملوثة، وإصابات جرثومية في المستشفيات, وارتفاع مؤشرات البورصة مصطنع، والأسعار ستهوي إلى القاع مرة أخرى, وإشاعات عن حل مجلس الأمة, وإشاعات عن استقالة الحكومة، ثم الكويت تحتل المركز الأول في الإصابة بمرض السكري, وقائمة من الأخبار والتشاؤم والسلبيات التي تزيد من نسبة الكآبة، وتختفي الإيجابيات من حياتنا، وكلما زادت جرعة السياسة زادت جرعة الكآبة.
ونقول اتقوا الله في الكويت الغالية, واتقوا الله في أهلها الطيبين.
***
جريدة “الجريدة”: لكم سعدت عندما قرأت على صفحات “الجريدة” مقالا للأخ العزيز د. باسم عوض الله مدير مكتب جلالة الملك عبدالله الثاني ووزير المالية والتخطيط السابق في الأردن الشقيق، لقد أعاد لي ذلك المقال ذكرى الأيام الخوالي عندما كنت أتولى رئاسة البعثة الدبلوماسية هناك، فكثيراً ما كنت أسعد بلقائه، حيث كنا نتناول طعام الإفطار “الريوق” في منزلي في منطقة عبدون بين فترة وأخرى، وكان جل حديثنا منصبّاً على كيفية تدعيم وتوثيق العلاقات بين البلدين, ولا يمكن أن أنسى تلك الرحلة الماراثونية التي قمنا بها من مدينة عمان العاصمة إلى مدينة العقبة ثم الكويت الغالية والعودة إلى عمان، والواقع أن هذا المقال وغيره من المقالات قد نقلت “الجريدة” من المحلية إلى العالمية بضم العديد من الكتّاب والشخصيات الدولية وكتّاب الرأي والتحاليل السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، ويسعدني أني كنت على اطلاع على المراحل الأولى لإصدار هذه الجريدة الغراء من خلال الأخ العزيز محمد الصقر “بوعبدالله”، وذلك أثناء زياراته المستمرة للأردن الشقيق وكانت العلاقات بين البلدين في قمتها.
ودعاؤنا دائماً إلى الله أن يحفظ الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق