خلافاً لما يظنه البعض, لا يهتم كثير من أصدقائنا الاميركيين, بل وكثير من الناس العاديين في الغرب في متابعة الخطابات السياسية المختلفة لمن ينتمون لتيارات فكرية متنافسة, فلا يبدو لدى الغربيين عموماً وقت إضافي لاضاعته في متابعة أو التعليق على الخلافات السياسية والفكرية بين هذا أو ذلك الطرف. فما يركز عليه الانسان الغربي بعامة هو كيف يؤمَّن معيشته اليومية بأفضل طريقة ممكنة, وكيف له أن يوفر مستلزماته وحاجاته اليومية من أكل وسكن وملبس. وهذا العزوف الطوعي عن متابعة السياسة ومشكلاتها وتعقيداتها المختلفة أتى نتيجة لتراكم خبرات تاريخية أثبتت للانسان الغربي العادي أن السياسة عموما خليطاً متناقضاً ومتغيراً بشكل يومي من الأراء والاراء المضادة, تغلفها عادة خلافات شخصانية ليس بالضرورة ان تكون لها علاقة مباشرة بالحياة اليومية للانسان العادي. بل نجد أن الكثير من الاميركيين والغربيين لا يتبرعون مجاناً بوقتهم الخاص لمتابعة أخبار سياسييهم, بل يلتفتون الى ما هو أهم بالنسبة اليهم وهو كيف يحققون نجاحاتهم الشخصية والأسرية في عالم متغير.
السياسة وما يرتبط بها من مناورات فكرية وحوارات ومماحكات وخطابات مختلفة اصبحت شغل من لا شغل له. فبدلاً من استغلال وقت الفراغ في السعي الى تطوير الحياة اليومية, أصبح “تسييس” الحياة اليومية معضلة تمنع بعض الأفراد من الاهتمام بما هو أهم بالنسبة لهم: تحقيق حياة إنسانية متكاملة وناجحة في مجتمعهم.
فاستثمار الوقت الشخصي الثمين فقط في توزيع التحليلات السياسية, هنا وهناك, لا يدل بالضرورة على فهم هذا أو ذلك الشخص العادي لما يجري حوله, بل يدل الانشغال بالمماحكات السياسية على أن ذلك الفرد أهمل طواعية ما هو أهم بالنسبة له: محاولة إيجاد وسائل وطرق ناجحة لإثراء حاضره ومستقبله الفردي أو العائلي.
السياسة أو التعلق بالمماحكات السياسية لدرجة الشغف بها لن تنفع الانسان العادي, بل يسبب الاشتراك في الجدل السياسي المبالغ فيه الكثير من الضغوط النفسية على الفرد العادي. ويؤثر بشكل سلبي على توازن حياته اليومية. نتمنى أن يلتفت بعض الأفراد نحو ممارسة حياتهم اليومية بأفضل طريقة ممكنة لأنها الوسيلة الوحيدة لتحقيق الانجازات الفعلية والنجاحات الحقيقية. أما غير ذلك من سياسة وتسييس والاشتراك في مماحكات فكرية جدلية وعقيمة ستهدر الوقت الثمين والذي من المفترض أن يُستثمر فقط لمناقشة وترتيب وإصلاح أمور حياتية يومية أهم كثيراً من السياسة.
* كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق