في لقاء جمعني والوفد الإعلامي العالمي الذي قام بجولة «حرية الصحافة بين نيويورك وواشنطن»، اجتمعنا بأعضاء لجنة حماية الدفاع عن الصحافيين الأميركية ومقرها واشنطن، وطلب الأعضاء خلال الحلقة النقاشية التي استمرت زهاء الساعة ونصف الساعة في مقر اللجنة من كل صحافي أن يعرض تجربته في بلاده من واقع تطبيق حكومة بلاده لحرية الصحافة، وبدأ الزملاء من أوغندا وسيراليون وفيجي وهنغاريا وزيمبابوي وراوندا بعرض تجاربهم، وكيف أن بعضهم يتعرض للتهديد المباشر بالقتل أو إلحاق الأذى البليغ أو السجن، بسبب عملهم لمجرد كتابتهم نقدا عن رئيس الوزراء أو وزراء محددين، ودار الحديث تواليا بين المشاركين بالجولة، كل يعرض التهديدات التي يتعرض لها الصحافيون في بلاده، وبما أنني الكاتب الصحافي الوحيد من دول الشرق الأوسط انتظر المسؤولون أن أسرد مأساتي ومأساة الصحافيين في الكويت، خاصة أن سؤال أحد أعضاء اللجنة كالتالي: «يبدو أن تجربتك لن تكون بأقل من تجارب الآخرين من زملائك».
رددت وببساطة: «بعد الذي سمعته من الزملاء الذين سبقوني أعتقد أنني أعيش في جنة الصحافيين على الأرض».
تلك الجملة المفرطة في التفاؤل لم تعجب أحد أعضاء اللجنة الذي قال لي: «ولكن ماذا عن قانون الإعلام الموحد الذي يهدد بتغريم الصحافيين بمئات الآلاف من الدولارات؟»، أجبته: «في اجتماع سريع لرؤساء تحرير الصحف في الكويت مع رئيس مجلس الوزراء تم إيقاف مسودة القانون، ولكن أنتم لديكم في الولايات المتحدة الأميركية أقر الرئيس السابق جورج بوش في العام 2006 قانون الفضيلة الأميركي الذي يقضي بتغريم أي قناة أميركية مبلغ 350 ألف دولار في حال نشرت ما يخدش الحياء، ولم يستطع أحد منع القانون، ومر وتم تطبيقه، والقانون وإن كان ظاهريا لمنع ظهور اللقطات المخلة إلا أن جميع القنوات الأميركية ومن بينها «فوكس» مثلا رأت أن هذا القانون سيكون بمنزلة حصان طروادة لملاحقة أي قناة قد تنشر ما ينتقد الحكومة، فإن كان ظاهره حماية الفضيلة إلا أن باطنه القمع المستتر».
لم يعجبه ردي فقال: «ولكن هناك مغردين تم سجنهم في بلدك بسبب التعرض للذات الأميرية»، لم أشأ أن أدخل معه في نقاش ولكنني سألته: «ألا توافقني الرأي في أن هناك فارقا كبيرا بين فعل الرأي والفعل المجرم»، فأجابني: «نعم، أوافقك»، فقلت له: «وهذه هي المعضلة التي لدينا في الكويت، أننا نسير على خط رفيع بين فعل ممارسة حرية الرأي والفعل المجرم، وتلك قصة طويلة».
توضيح الواضح: مشكلة بعض ربعنا أنهم عندما يرحلون إلى بلاد الشقراوات وزرق العيون يحبون أن «يتميلحوا» حتى ولو كان «تميلحهم» هو الطعن في بلادهم وتناول الزوايا المظلمة في بلدانهم! نعم، في بلداننا زوايا مظلمة كثيرة، ولكن هناك زوايا مشرقة كثيرة بها، فبروايتك ـ أنت ـ تجعل بلدك جميلا، وبروايتك تجعل من بلدك جحيما في نظر الآخرين، تجربتي الشخصية وأمانتي لا تجعلني أنقل عن بلدي إلا أنه يعتبر جنة صحافية حقيقية، مقارنة بما سمعت ورأيت، لسنا الأفضل، ولكن حتما لسنا الأسوأ.
Waha2waha@hotmail.com
المصدر جريدة الانباء
قم بكتابة اول تعليق