وليد الجاسم: التأمينات.. وحكومة “بيض الصعو”

قبل فترة بسيطة توجهت الى مبنى التأمينات الاجتماعية لاستخراج شهادة من المؤسسة احتاجها لإنجاز معاملة حكومية من المعاملات التي لا تنتهي ضمن سلالم الروتين الكويتية.
توجهت الى التأمينات صباحاً.. متأففاً.. وأمامي شريط من الذكريات السيئة في أي معاملات رسمية يضطر المرء الى إجرائها في أي من وزارات أو مؤسسات الدولة.
ما علق بالذاكرة من المعاملات الرسمية في الدولة هو مجرد فوضى.. تدافع.. رطوبة مرتفعة بسبب رداءة التكييف.. «بواخ» يخرج من الأجساد العرقانة المتلاصقة أملاً في تعطف موظف نفسه شينه يجلس خلف حاجز من الزجاج، سيجارته على طرف فمه ويغلق عينه اليسرى لحمايتها من الدخان القميء، تنتظر.. وتنتظر.. وتفاجأ بأن الطابور لا ينتهي لأن السيد الموظف الذي يستمتع بجبروته على الناس يأخذ من وراء الكاونتر معاملات أخرى تخص الربع والواسطات، و«طز» في اللي واقفين جدامه ناطرين الدور، و«طز» في شنب رجال ما يحتقر الموظفين على تلك الشاكلة.
تلك الصورة دارت في ذهني وأنا في الطريق صباحاً الي مبنى التأمينات، وصلت.. فإذا بالمواقف «الراهية» المظللة ملاصقة للمبنى، أوقفت السيارة داخل الموقف المتعدد الأدوار وتوجهت الى مدخل المبنى، لأفاجأ بنظافة وأناقة تضاهي نظافة وأناقة «لوبي» الفنادق ذات النجوم الخمس. موظف على مكتب دون حواجز ولا زجاج يفصله عن الناس كان أمامي فور دخولي، سألته عن المعاملة التي أريد إجراءها، أخذ بطاقتي ثم وجهني للانتظار في الأماكن المخصصة لذلك، وقال لي: دقائق.
استرخيت على كرسي جلدي وثير جوانبه من الستانلس ستيل فإذا بعامل خدمة أنيق نظيف عنده الشاي والقهوة والماء لخدمة المراجعين المتقاعدين وغيرهم. الصحف متوفرة لمن يرغب في استثمار مدة الانتظار في القراءة، كاونترات موظفي الخدمة أكثر بكثير من كاونترات الجوازات في مطار الكويت (اللي يفشّل)، وما هي إلا دقائق بسيطة لم تتعدّ عدد أصابع اليد الواحدة، ليظهر رقمي على الشاشة مع رقم الكاونتر الذي يجب عليّ أن أراجعه، أبلغت الموظفة بما أريد، وخلال نصف دقيقة طلبت مني العودة الى مقاعد الانتظار.. عدت وتلفتت فإذا بأشكال وألوان من أكياس «البسكوت» موضوعة في أوانٍ راقية للمراجعين، لكن لا وقت للأكل وشرب الشاي، فالاسم ظهر بسرعة على الشاشة، راجعت الموظف الأول (على المكتب المفتوح)، وتسلمت منه الشهادة التي أحتاجها مختومة وموقعة، ثم خرجت مذهولاً الى سيارتي، أدرت المحرك، فتحت المكيف، مازال الهواء يخرج منه بارداً، قلت في قلبي:
شكراً لمؤسسة التأمينات الاجتماعية، هذا النموذج الكويتي المشرف والفريد من نوعه، وليتهم يستعينون بهم للإشراف على شتى الجهات التابعة للدولة التي تتعامل مع الناس، فقد سئمنا أكاذيب الحكومة الالكترونية التي صار «بيض الصعو» أكثر واقعية منها.

وليد جاسم الجاسم
waleed@alwatan.com.kw
المصدر جريدة الوطن

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.