صلاح الساير: الخطبة الخرساء

ينأى العاقل بنفسه عن مجادلة الآخرين ما لم يتأكد من رجاحة عقولهم، ولأنه يدرك «ان الحرب أولها كلام» يعرض عن الخوض في وحل الجدل العقيم عند احتدام الكلام، فالاختلاف في الرأي على عكس ما يشاع يفسد للود قضية ويحوّل الأصدقاء إلى خصوم، فلا حصن يقي من الكراهية المجانية سوى الصمت الذي هو، بالنهاية، رأي صامت صيغ على نحو موجز!

في مضامير الحكي وحلبات الهذر يكتفي العاقل بذكر المعلومة التي يعرفها، ويترك الحرية للسامعين، ومدى قدرتهم على تصديق وفهم وتحليل المعلومات ومقدار تحليهم بالشجاعة وتقبل الرواية التاريخية. بيد أن العقل العربي تعوّد على الخلط بين الرأي والمعلومة وكثيرا ما تجد الجهلة يخاصمون العقلاء بسبب معلومات ذكروها حين يحملونها على محمل الرأي لا المعلومة.

«ما جادلت جاهلا إلا وغلبني» قول منسوب للإمام الشافعي، فالجدل عند الجهلة درب واحد لا رجعة منه، حيث لا يملك الجاهل سوى جهاز إرسال دون استقبال يمكنه من الإصغاء لما يقول الطرف الآخر، ذلك أن أكبر هموم الجاهل استفراغ الوهم المحشو في تجاويف ذهنه كي يرتاح من ثقل الأوهام، وقتها يكون من الحكمة الأخذ بنصيحة الشاعر القائل «ومن التناهي في الفصاحة تركها.. والوقت وقت الخطبة الخرساء».

www.salahsayer.com
المصدر جريدة الانباء

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.