في صباح اليوم الذي نشرت فيه القبس خبر استقالة الاستاذ السيد هاني عبد العزيز حسين من منصبه وزيرا للنفط، ظهر خبر عن صفقة آسنة تمت في دهاليز وزارة الأشغال، صفقة أصغر حجما، ولكنها لا تقل دلالة على أن دولة الكويت الفتية الطموحة، التي كان يحلم ابناؤها لها بمستقبل باهر زاهر، انقلبت كابوسا مرعبا قضى على كل ما كانت تصبو له الدولة من منى وآمال. و الأنكى من ذلك أن الفضيحة الثانية لن تكون الورطة الأخيرة التي تجد الحكومة نفسها فيها، وأن ثمة عيوبا لا حصر لها تنتظر من يكشف عنها في وزارات أخرى.
ولا حاجة الى بيّنات دامغة لتبرير ما أقول: فالمواطن معذب في وطنه، (دع الوافد الذي لا يؤبه له فهو ليس في عداد البشر )، يقاسي الأمرين في أي علاقة ابتلاه الباري بها في أي وزارة أو مؤسسة حكومية اضطرته ظروف الحياة للرجوع اليها: في الداخلية، وفي الصحة، وفي المواصلات، وفي الشؤون، وفي التعليم بدرجاته المختلفة، وفي البلدية، وفي الاعلام. واذا صح ما أقول، فمعناه أن الوزارات بأجمعها لا تصلح لإدارة شؤون البلاد. وهذه مشكلة خطيرة ولكنها ليست فريدة: واجهتها المانيا حين طبقت دستور «فايمار»، وواجهتها فرنسا في الثلاثينات من القرن الماضي.. وواجهتها «بيزنطة» و «روما»، قبل ذلك بقرون، وهي ظاهرة تعرف في علم السياسة بـ«الدولة الفاشلة» dysfunctioning state – فماذا كانت النتيجة؟ سلوا التاريخ.
إن تتابع الكبوات لنذير شر فاتقوه، وعلى عاتق سمو رئيس الوزراء خاصة تبعة خطيرة: عليه أن ينتقي أعضاء وزارته لا لأحسابهم وأنسابهم، ولا لحسن طلعاتهم أو جمال ابتساماتهم، بل لخبراتهم وكفاءاتهم ونزاهتهم، وصفات القيادة التي يتحلون بها، يختارهم اختيار الطبيب المداوي، لا السمير الموالي، وأن يطلب من كل واحد وواحدة برنامجا للعمل وجدولا زمنيا للتنفيذ، يحاسب الوزير على الفشل في تنفيذه؛ وليعلم سموه علم اليقين ان عاقبة الفشل وخيمة، لا يعلمها الا العلام الحكيم، وأن الساعة آزفة لامحالة، كتب الله له وللوطن السلامة ووجهه لما فيه خير سموه وخير العباد و البلاد.
عودة الى.. «الداو»!
يخيل للمرء أن فضيحة «الداو» وما استتبعت من خسارة تاريخية مهينة، وما كشفت عنه من فشل أجهزة الدولة المعنية بكافتها، فصل مذل من تأريخ الكويت الاداري الحديث تحرص الحكومة أن تعامله بأكثر ما يمكن من الاحتراس والروية؛ فاسمع، سيدي القارئ الفاضل، سلسلة الأحداث التي تتالت في قطاع بالغ الأهمية من أجهزة الدولة: قدم معالي السيد هاني حسين وزير البترول استقالته، فرفضت فبقي في منصبه ليحدث في وزارته تغييرات في مراكز قيادية كان شاغلوها قد فُرضوا عليه، على ما قال، ولم يُسْألْ معاليه لِمَ لم يحتج حين فُرِضَ هؤلاء عليه، ولكنه بعد فترة من استئناف منصبه الرفيع، عاد فاستقال ثانية وكانت هذه الاستقالة بعد ادخال التصليحات الإدارية التي أجراها! وفي الوقت نفسه بادرت الحكومة الى اتخاذ خطوتين لإصلاح قطاع البترول: الأولى، احالة عدد ممن يشغلون مراكز قيادية في هذا القطاع الى التقاعد، وقد مضى على توظيفهم ثلاثون عاما فأكثر، مع ترضيات تغريهم بالسكوت؛ أما الثانية، فتكوين لجنة مستقلة خارجية لبحث ما قد جرى من أحداث انتهت بمأساة وجوب دفع الكويت الغرامة التاريخية؛ ثم طلعت الأخبار بإقامة لجنة ثانية (أقدم، ياترى؟) تُجْري تحقيقها جنبا الى جنب واللجنة الأولى، ولنفس الغرض، ولكنها مستقلة عنها؛ كما روت الصحف تغييرات ادارية لاحصر لها في هذا القطاع الحيوي الشقي! قد يكون سرد الأحداث التي وصفتها سردا ينقصه تسلسل التقويم، ولكن تواتر الأخبار، وغموضها وغياب الشفافية، وانعدام وجود ناطق رسمي يوافي الرأي العام، ووسائل الاعلام، بما يجد في هذا القطاع البالغ الأهمية من تطورات هو سبب ارتباكي. ويسأل الإنسان نفسه أهذا حقيقة ما يجري في مؤسسة من أعلى وأهم المؤسسات الحكومية؟ أم نحن نشهد مسرحية تمثل في أحد مسارح رياض الأطفال؟ السؤال موجه الى الحكومة الموقرة بأسرها. والشعب ينتظر الجواب، سادتي أعضاء مجلس الوزراء. سيدي سمو الرئيس الأكرم الأجل: الشعب ينتظر الجواب.
فخري شهاب
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق