جاسم بودي: إفلاس !

تحذير صندوق النقد الدولي من أزمة كبيرة قد تواجهها الكويت عام 2017 ينتج عنها افلاس مقنع بسبب عدم قدرة عوائد النفط على تلبية متطلبات الموازنة، تبعه تحذير آخر من افلاس حقيقي عام 2020. أي أننا نتحدث عن غد وبعد غد.
تعبنا ونحن نتحدث عن وصول الحلول إلى الإفلاس، وعن وصول العلاقات المتوازنة المتزنة بين السلطات إلى الإفلاس، وعن وصول الاهتمام بحاضر الكويتيين ومستقبلهم إلى الإفلاس، وعن وصول الطبقة السياسية إلى الإفلاس، وعن وصول الوعي إلى الإفلاس.
وتعبنا ونحن نرى، في مقابل هذه الإفلاسات، ازدهارا للحلول السريعة المتسرعة التي لا تلحظ أي مخاطر على استنزاف المال العام وانهيار الموازنات، وازدهارا للخطاب الانتخابي الشعبوي الداعي الى اسقاط القروض عن كل مواطن، وازدهارا لمبدأ حشر الموظفين في الادارات على قواعد الواسطة لا على قواعد الكفاءة، وازدهارا للغة التخوين والانقسام، وازدهارا للغرائز القبلية والطبقية والمذهبية والطائفية.
وما بين التعب والتعب، نلجأ إلى السخرية من واقع حالنا علّ بعض السخرية يمسح ما تراكم من قلق.
إذا أفلست الكويت لا سمح الله هناك قضايا كثيرة يمكن ان تجد حلولا. منها أزمة المرور، حيث سيتضاءل كثيرا عدد السيارات بعد هجرة مئات آلاف الوافدين والمواطنين حملة الجنسيات الأخرى إلى دول تؤمن سبل العيش لهم. اضافة إلى أن الكويتي الذي يمتلك أربع أو خمس سيارات سيكتفي بواحدة أو ربما سيارة للعائلة بأكملها، وسيتردد كثيرا قبل الاقبال على شراء واحدة بالقروض والأقساط لأن زمان الأول تحول. كذلك الأمر بالنسبة إلى مخالفات السرعة وكسر الاشارات الحمر والوقوف في الممنوع، ففي كويت اليوم يمكن أن تتراكم الفواتير إلى أن تحلها واسطة أو قرض أو دعم من الأهل وفي كويت الإفلاس كل فلس بحسبان والقرار صارم:
إما الدفع وإما الحبس.
والشيء بالشيء يذكر، لن تعود هناك أزمة سكن كالتي نعيشها حاليا، فعشرات الآلاف الذين ينتظرون دورهم للحصول على قسيمة أو بيت سيجدون عشرات آلاف الوحدات السكنية التي فرغت من مستأجريها ويمكن ان يقيموا فيها موقتا أو بشكل كامل في انتظار ما طال انتظاره وقد لا يأتي أبدا إذا اختفت الأموال اللازمة للبناء.
سيجد كل مواطن سريرا في المستشفى متى ما أراد وكيفما ما أراد. قد لا يجد العمالة المؤهلة لبقاء القطاع الصحي وفق المعايير الدولية إنما هذه الأمور يمكن حلها من خلال التكافل الاسري ومساعدة الأهل على إحضار الطعام من المنزل وترتيب الغرف بالشكل اللائق، وستعود الثقة بالقطاع الطبي الكويتي لأن بند العلاج في الخارج سيختفي من الموازنات وستختفي معه نصف مشاكل السلطتين.
ومن الآن نضمن أن الانتخابات لن يقدم فيها طعن واحد، فلا شراء أصوات ولا مال سياسيا ولا رشاوى. قد تستمر وعود بعض المرشحين لكن المقار الانتخابية ستختلف أو تختفي. ويمكن الاكتفاء برسائل عبر تويتر والفيس بوك إذا استمرت القدرة على حيازة التكنولوجيا الحديثة لأن فرش الموائد ونحر الخراف والجمال وجلب الطعام والعمالة من الفنادق (التي سيتقلص عددها إلى فندق أو اثنين) امر مكلف في بلد مفلس. وسيسمع الناخبون تنظيرا سياسيا لساعات يخلو من الوعود باسقاط قروض أو بتأمين منازل أو وظائف، وقد نرى مرشحين يتناولون ظواهر الاحتباس الحراري وثقب الاوزون وسيكولوجية التعامل مع الاطفال… وربما نرى مرشحين يطلبون سلفة من الناخبين ليتمكنوا من تحقيق الأهداف التي اعلنوا عنها.
أما بالنسبة إلى التعليم فنحمد الله أن الجامعات الخاصة التي بنيت ستساهم في استقبال «العائدين من البعثات» الذين لم يستطيعوا إكمال تخصصاتهم في الخارج بسبب الإفلاس، إضافة إلى خطة تحويل بعض المدارس الكبيرة إلى جامعات نسبة إلى هجرة الكثير من الوافدين… ولتمت بغيظها ملفات جامعة الشدادية التي سيقول المسؤولون عن اهمالها انهم فعلوا ذلك عمدا تحسبا للافلاس وكي لا تبقى أطلالا غير مستخدمة رغم كلفتها.
لن تنقطع الكهرباء في الصيف. لن تتوالى المناقصات والصفقات. يمكن أن نبيع المولدات الضخمة التي في حوزتنا الى قرى تحتاجها في الصومال مثلا لأن الضغط على الطاقة سيخف بنسبة تتجاوز الخمسين في المئة. وكذلك الأمر بالنسبة الى الموارد المائية.
يمكننا ان نكمل في باقي القطاعات لكن الاهم عندما نصل الى مرحلة الإفلاس، لا سمح الله، ان الكويتيين سيكتشفون ان غالبية المشاكل السياسية والصراع بين السلطتين وحتى الغرائز القبلية والطائفية ستخف أو تنتهي لان بعض الخبثاء سامحهم الله يرون في ذلك امرين: الأول ان اعضاء السلطتين وصلوا إلى نتيجة افلاس الكويت بمواقفهم عمدا أو سهوا لانهم كانوا قاصرين عن السير في اتجاه معاكس، والثاني ان تسعين في المئة من هذه المشاكل خلفيتها مالية أو مادية أو مصلحية ولذلك فلا حاجة للتناحر.
سامح الله الخبثاء وأبعدنا عن كابوس الإفلاس… آمين يا رب العالمين.

جاسم بودي
المصدر جريدة الراي

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.