إرث فوضوي قديم ما زال يسيطر على ادارة الشؤون العامة في البلد، انه مصطلح «التعليمات»، وهي اوامر شفوية توجه للطلب بتفعيل وتطبيق القانون في أي شأن من شؤون الدولة، ومن دون هذه التعليمات يظل القانون مجرد حبر على ورق.
فعلت وزارة الداخلية قوانين المرور، فيظهر أحد كبار مسؤوليها ليقول إن تطبيق القانون المفاجئ كان بتعليمات من القيادي الفلاني، ولولا أن هذا القيادي تفضل علينا وطلب تطبيق القانون لكانت الفوضى هي سيدة الموقف، كما كانت السنوات الماضية.
تحصّل وزارة الكهرباء فواتيرها، فيظهر احد موظفي الوزارة ليقول ان تحصيل هذه المبالغ كان بتعليمات من المسؤول الفلاني، وليس بسبب القوانين التي تفرض استيفاء حقوق الوزارة من المستفيدين، ولولا أن السيد المسؤول طلب تحصيل المبالغ من الناس لظلت تتراكم، كما حصل حتى تبلغ عشرات الملايين، بفضل وأد القانون!
تعلن وزارة الشؤون محاربة تجار الاقامات، ولن يحصل – بالطبع – فيظهر احد قياديي «الشؤون» ليقول إن مكافحة تجار الاقامات تأتي بتعليمات مباشرة من كبار قياديي الوزارة، وانهم يتابعون ملف الاقامات بشكل مباشر. طيب، لو لم تصدر تعليمات اولئك القياديين فماذا كان سيجري لتجار الاقامات؟ سينعمون بتلاعبهم سنوات وسنوات، لأن القانون وضع لينتظر التعليمات بتنفيذه.
ما فائدة القوانين ان لم تنفذ فورا، كما هو مطلوب، وما قيمة القوانين ان لم تأخذ مجراها باستمرار كما هو مفترض، وما الحاجة الى القوانين – أصلا – ان كانت تنتظر تعليمات شخصية من هذا المسؤول أو ذاك القيادي حتى تطبق، وما واجب كل موظف حكومي، صغيرا كان أو كبيرا وفي أي موقع ان جمد تنفيذ القانون اما عمدا لمصلحة، واما استهتارا، لانه لا أحد يسأل أو خوفا من كبار المسؤولين، حتى لا يحاسب؟! فأي وزن لتلك القوانين التي تخضع للأمزجة وللأهواء حتى يظهر اثرها على أرض الواقع؟!
إن الدولة النظامية ذات العمل المؤسسي تمنح القوانين القوة الكاملة مباشرة، لينفذها أصغر موظف من دون قدرة أحد على ايقافها او تعطيلها، الا بسلطة تشريعية تغيرها، او أحكام قضائية تلغيها، وبذلك يشعر الناس – فعلا – برعاية المجتمع للمواطنين وقدرته على حماية حياتهم اليومية، لان القانون مفعل وله احترامه الكامل، أما ان يحتاج القانون الى تعليمات لتطبيقه فهاهنا ينتقل الوضع من عمل دولة الى شغل مخيم.. وهاهنا المصيبة، والله الموفِّق.
وليد عبدالله الغانم
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق