د.صلاح الفضلي: “شاربين حليب السباع”

يروى في قصة الزير سالم أن الجليلة زوجة أخيه كليب كانت تبغضه وتريد هلاكه، وفي إحدى المرات طلبت الجليلة من كليب أن يأمر الزير سالم بأن يأتي لها بحليب سباع لأنها تقوي الأعصاب وتأتي بالولد كما ادعت، ففعل كليب ما طلبت الجليلة وامتثل الزير لطلب أخيه، وذهب إلى وادي السباع فرأى لبوة يرضع منها أشبالها فقفز الزير على ظهرها وحز رأسها وقطع ضرعها وأتى به إلى الجليلة، من قصة الزير سالم نشأت مقولة «حليب السباع» الذي يوصف من يشربه بأنه قد أصبح شجاعاً مقداماً.
شرب «حليب السباع» ينطبق هذه الأيام على حكومتنا الرشيدة التي كانت ترتعد فرائصها من صفير الصافر، لكن يبدو أنها شربت «حليب السباع» وصارت تزأر بقوة، حكومتنا حفظها الله من العين بعد أن كانت تلبي كل طلبات الغالبية النيابية، وتتبادل معها عبارات الحب والغرام كشرت عن أنيابها فجأة في استجواب الشمالي عندما انسحبت احتجاجاً على دمج الاستجوابين، واعتقد الكثيرون أن تصرف الحكومة في وقتها مجرد نوبة شجاعة عابرة سرعان ما تختفي، ولكن يبدو أن الحكومة قد شربت الكثير من حليب السباع، وأصبح قلبها قوياً ولم تعد تخشى أحداً، فها هي ترد قانوني إعدام المسيء للرسول وجامعة جابر.
رد القانونين من قبل الحكومة غير مبرر, لأنها كانت قد وافقت عليهما عندما نوقشا في مجلس الأمة، ولذلك ليس من المنطقي أن تأتي الآن لتردهما، رد القانونين المذكورين ومن قبله الانسحاب من جلسة الاستجواب يدل على أن هناك تغيراً نوعياً في موقف الحكومة من الغالبية النيابية، فبعد أن كانت تتحاشى التصادم معها لأنها تعلم أن الغالبية قادرة على إسقاط أي وزير، بل وحتى إسقاط رئيس الوزراء نفسه، ها هي اليوم تستفز الغالبية النيابية برد قوانين كانت قد وافقت عليها، رد القانونين يبدو أنها قنبلة موقوتة رمتها الحكومة في حضن الغالبية البرلمانية لتنفجر في دور الانعقاد القادم، فإذا ما قررت الغالبية إعادة طرحهما في دور الانعقاد القادم يكون للحكومة ذريعة بأن المجلس يتعسف في استخدام الأدوات الدستورية، وبالتالي لا يمكن التعاون معه، وهي الديباجة التي اعتدنا عليها كمقدمة لحل مجلس الأمة.
بعد أن كانت الحكومة هي التي تخاف من الغالبية البرلمانية، انعكست الآية وأصبحت الغالبية هي من تخاف من نوايا الحكومة خوفاً من حل المجلس. الأرجح أن شجاعة الحكومة ليست شجاعة ذاتية وإنما شجاعة بالاستعانة بصديق قدم لها حليب السباع، وإذا استمر هذا الصديق بتغذية الحكومة بحليب السباع فإنها سوف تهجم عما قريب على المجلس وتفترسه.
المصدر جريدة الكويتية

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.