محمد عبدالقادر الجاسم: “التكتيكات” القديمة لا تنفع

من الواضح أن «الأغلبية البرلمانية» تحتاج اليوم إلى رسم استراتيجية سياسية متقنة تعتمدها للتعامل مع الوضع السياسي الراهن.. استراتيجية تمنح الأغلبية اليد الطولى في قرار مجلس الأمة وتحافظ في الوقت ذاته على استمرارية المجلس. فمن الواضح بالنسبة لي أن كتلة الأغلبية تسير وفق رغبات متناقضة لبعض الأعضاء فيها بين تصعيد غير مدروس وتهدئة في غير محلها. إن هناك أزمة ثقة عميقة بين أعضاء في كتلة الأغلبية فهناك من يتهم بعض الأعضاء بالسعي لعقد صفقات مع السلطة في الخفاء تحقق لهم أو لتيارهم السياسي مكاسب مقابل سعيهم نحو عرقلة الاستجوابات، في حين هناك من يتهم بعض الأعضاء في الكتلة بمحاولة لعب «أدوار البطولة» وما تستلزمه من انفراد في القرار وفرض الأمر الواقع.. وهكذا يبدو كما لو أن انفراط عقد كتلة الأغلبية بات قريبا لاسيما مع تتابع الأخبار بشأن نية حل مجلس الأمة.
إن على كتلة الأغلبية إدراك أن هناك انقساما لدى الرأي العام تجاه الكتلة، بل إن هناك بعض الفتور لدى الشباب الذي شارك في الحركة الشعبية الاحتجاجية التي أدت إلى إسقاط حكومة ناصر المحمد ودفعت بهم، أي الأغلبية، إلى مجلس الأمة، وأن هذا الفتور قد تظهر آثاره لو جرت انتخابات جديدة قريبا.. صحيح أنه لا يوجد بدائل في الساحة الشعبية إلا أن الضغط الإعلامي المتواصل المضاد لكتلة الأغلبية قد يؤدي إلى خسارة عدد من النواب الحاليين لمقاعدهم.
إن الاستراتيجية المطلوب صياغتها لكتلة الأغلبية يجب أن تنطلق من حقائق الوضع القائم لا من افتراضات الوضع المحتمل ولا من إرشيف الوضع السابق.. ومن بين الحقائق القائمة أن فرص استمرار رئيس مجلس الوزراء الحالي الشيخ جابر المبارك في منصبه مرتبطة باستمرار مجلس الأمة، كما أن الشيخ جابر المبارك لا يملك كافة أوراق القرار، بما في ذلك قرارات حكومته. ومن حقائق الوضع القائم أن مراكز النفوذ وبؤر الفساد هي التي تقود نحو التعجيل في حل مجلس الأمة وليس الحكومة. ومن حقائق الوضع القائم أن الاستجوابات لم تعد هي الوسيلة الوحيدة التي تحقق الشعبية للنواب بل مجموعة قوانين الإصلاح السياسي والتشريعي هي الحصان الرابح.. إن هناك معطيات واقعية عدة يجب على كتلة الأغلبية مراعاتها، لكن من الواضح أن الرؤية السياسية لديها غائبة ومازال العمل البرلماني هو المسيطر على حساب العمل السياسي.. إن «التكتيكات» القديمة لم تعد تنفع في التعاطي مع الوضع القائم، فهل هناك من يتبصر ويتدبر؟
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.