أحمد الخطيب وأحمد السعدون يعتبران من رموز العمل السياسي، فقد كان لهما دور مؤثر في مجريات الأحداث منذ بداية الحياة البرلمانية في الكويت بالدفاع عن المكتسبات الدستورية، ولعبا دوراً فاعلاً في عودة الحياة البرلمانية بعد الغزو، بعد تجربة الحلين غير الدستوريين في عامي 76 و86.
ورغم هذا التاريخ المشترك في المواقف إلا أن الرجلين اختلفا اختلافاً جذرياً في تقييم حكم المحكمة الدستورية الذي صدر يوم الأحد الفائت، السعدون رفض الحكم واعتبر أنه تكريس للانفراد بالسلطة، في حين أشاد الخطيب بالحكم وذهب إلى أن «علينا أن نفخر جميعاً بهذا الحكم التاريخي، باعتباره أكد أن ثقافة العبودية للناس قد انتهت، فلا حاكم مطلق، ولا رعية مطيعة مثل البهائم يقودها الراعي إلى المسلخ».
في الحقيقة أجد أن التأمل في جوهر حكم المحكمة الدستورية الذي وضح دون غموض أن المحكمة الدستورية هي الرقيب في تقدير موضوع الضرورة في مراسيم الضرورة، ومؤدى ذلك أن من حق الأمير كرئيس للدولة تقدير المصلحة في إصدار مراسيم الضرورة، ولكن هذا الحق ليس دون قيد أو دون رقابة، ولذا أسهبت المحكمة الدستورية في التأكيد على أنها الرقيب على هذه المراسيم حتى لا تنحرف عن غاياتها، التأمل في الحكم لابد أن يتفق مع وجهة نظر الدكتور أحمد الخطيب فيما ذهب إليه، بأن حكم المحكمة الدستوري تاريخي ويعد مكسبا دستوريا، وفي الوقت نفسه نستغرب من الاستعجال غير المبرر من السعدون في رفض حكم المحكمة الدستورية، حتى قبل أن يجف الحبر الذي كتب به الحكم.
ألم تكن حجة السعدون وكثيرين -وأنا أحدهم- في رفض مرسوم الصوت الواحد هو الخوف من تفرد السلطة في إصدار المراسيم، والتعسف في استخدامها لأجل العبث بتركيبة مجلس الأمة، وبالتالي تخريب النظام الديمقراطي ككل، ها قد جاءت المحكمة الدستورية ووضعت ضمانة بأن مراسيم الضرورة سوف تكون تحت نظرها، وهذه الضمانة تعد ركيزة أساسية ضد من يحاول التفرد بالسلطة، أما كون المحكمة اقتنعت بمبررات الضرورة في مرسوم الصوت الواحد فهو أمر تقديري وخاضع للنقاش، وهذه المبررات وإن كانت غير مقنعة بالنسبة للكثيرين إلا أنها تظل في إطار الاختلاف المقبول في وجهات النظر.
كمحصلة عامة أجد أن نتيجة حكم المحكمة الدستورية كما عبر عنها الزميل بشار الصايغ هي 9/1 لصالح المكتسبات الدستورية والنظام الديمقراطي ككل، والغريب أن السعدون ومن معه لا يقبلون سوى بالفوز بنتيجة 1/0 وهو إبطال مرسوم الصوت الواحد ويرفضون الفوز بنتيجة 9/1 أو أية نتيجة أخرى، وذلك خلاف المنطق والحكمة، هل كان مقبولاً للسعدون ومن هو على رأيه مثلاً أن تبطل المحكمة الدستورية مرسوم الصوت الواحد لأسباب إجرائية، في حين يتم إطلاق يد السلطة في إصدار مراسيم الضرورة، لتعود فتعالج الأخطاء الإجرائية وتتفرد في مراسيم الضرورة من حيث الموضوع؟ أي تأمل متجرد في ذلك يفترض أن يقود إلى أن إبطال المرسوم لأسباب إجرائية مكسب سياسي آني، في حين أن المكسب الذي تحقق بحكم المحكمة الدستورية مكسب دستوري تاريخي، ولا وجه للمقارنة بين الاثنين.
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق