إبراهيم العوضي: حرب شوارع

إنها فعلا حرب شوارع… فالحوادث المرورية وحدها حصدت خلال العام المنصرم أكثر من 493 مواطنا ومقيما بمعدل 1.3 قتيل كل يوم، أي أن هناك 493 أسرة فقدت أحد أفرادها بسبب الحوادث المرورية التي بلغت 75 ألفا و194 حادثا بواقع 8 حوادث تقريبا في كل ساعة. نعم، نعاني من مشكلة حقيقية وخطيرة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، فارتفاع معدلات الحوادث المرورية خلال السنوات الماضية وتصاعدها المستمر وما يمكن أن تخلفه هذه الحوادث من مشكلات بشرية واقتصادية ونفسية ومجتمعية وما ينتج عنها من مآسٍ وآلام وعاهات وأمراض مستديمة تجعلنا نجزم بأن مشاكل الحوادث المرورية والازدحامات أصبحت هاجسا يؤرق الكثير من المواطنين وباتت أحد أهم القضايا التي أضحى الجميع ينتظر من خلالها إلى ضرورة تطبيق الخطوات الملائمة واللازمة للحد والتقليل من هذه الحوادث المرورية وما ينجم عنها من آثار سلبية في نواحي الحياة كافة.
أرقام مخيفة تلك التي تصدرها الإدارة العامة للمرور سنويا، فالإحصائيات الصادرة تشير إلى أن العام الماضي وحده قد خلف تحرير أكثر من 3 ملايين وخمسمئة الف مخالفة مرورية بواقع مخالفتين مروريتين لكل سيارة وأن عدد السيارات المسجلة حتى العام الماضي بلغ أكثر من مليون وخمسمئة ألف سيارة، وإذا ما قورن ذلك بعدد سكان الكويت ممن تفوق أعمارهم عن 18 عاما وممن يملكون القدرة على إمتلاك احدى وسائل النقل لوجدنا أنه في المعدل فإن كل فرد يمتلك أكثر من سيارة.
إننا اليوم بحاجة أكثر من أي وقت مضى لرؤية واضحة ودراسة استراتيجية وعملية للتخفيف من مشكلة الازدحام المروري المسبب الأول للحوادث المرورية وفي مناقشة هذه المشكلة وإيجاد الحلول المناسبة التي تساهم في الحد من هذه الأزمة الحقيقية، ولعلي لا أبالغ إن ذكرت بأن حل هذه المشكلة أهم بكثير من خطة التنمية بما تتضمنه من مشاريع ضخمة لأن روح الإنسان والمحافظة عليها أهم بكثير من أي شيء آخر. فعلى سبيل المثال، الكويت تحتل المركز الرابع في العالم بالنسبة للطرق المزدحمة للمركبات لكل كيلومتر طريق وكل ذلك سببه أن معدل إصدار التراخيص للمركبات يزيد بكثير على معدلات التوسع في إنشاء الطرق والجسور والأنفاق وغيرها، مع الأخذ بعين الاعتبار ما أشار إليه المخطط الهيكلي من أن أغلب الطرق قد تجاوزت طاقتها التصميمية والاستيعابية، وعليه فإن كل ذلك يساهم في زيادة مشكلة الإزدحام المروري وما ينتج عنها من حوادث مرورية قاتلة. كما تشير الدراسات أن تكلفت الإزدحامات المرورية وما ينتج عنها من حوادث وتلوث وضوضاء وتعطيل لمصالح الناس قد يصل تكلفته السنوية إلى حوالي 3 مليارات دينار وبما يعادل أكثر من 3 في المئة من إجمالي الناتج المحلي.
الحكومة لديها مفاتيح حلول هذه المشكلة، فمن غير المعقول مثلا أن تصر الحكومة على تمركز جميع الخدمات الحكومية في مناطق محددة، كما أن توزيع أوقات الدوام الرسمي في الدوائر الحكومية المختلفة بحيث تتنوع أوقات بدء ونهاية الدوام بطريقة مدروسة لتخفيف حدة الازدحام وكذلك توزيع تلك الدوائر في مناطق الكويت المختلفة وبناء مدن أخرى موزعة على مساحات مختلفة قرب الحدود الشمالية والجنوبية وجعلها مستقلة بخدماتها المتنوعة عامل مهم في التخفيف من الحوادث المرورية وما ينجم عنها من وفيات خاصة إذا ما أخذنا بعين الإعتبار أنها أصبحت خطرا يهدد العالم أجمع وذلك وفقا لتقارير منظمة الصحة العالمية والتي توقعت بأن تكون الحوادث المرورية بحلول عام 2020 المسبب الثالث من مسببات الوفيات في العالم.
كما أن «الداخلية» مطالبة في زيادة حملات التوعية المرورية والتي دائما ما يكون لها نتائج ملموسة على المدى البعيد بالإضافة إلى ضرورة إدراج تلك البرامج التوعوية في المناهج الدراسية وفي الأنشطة المدرسية وتطوير تلك البرامج بطريقة مبتكرة لتكون أكثر جاذبية لعلها تتمكن من التقليل من تلك الحوادث. ويجب على صانع القرار كذلك من إيجاد وابتكار حلول النقل الجماعي وتشجيع المواطنين والمقيمين لاستخدامها ولا ننسى كذلك دور الأسرة في تحديد السلوك المروري السليم وتهيئة الناشئة لاستيعابها لعلنا بذلك نتخلص من لعنة الحوادث المرورية.

إبراهيم أديب العوضي
boadeeb@yahoo.com
المصدر جريدة الراي

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.