د.عبدالمحسن حمادة: خسارة الكويت الفادحة في استقالتك يا وزير المالية

“قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا”. (الكهف: 103و104). إن أشر الناس وأكثرهم ضرراً وإيذاء للبشرية وللمجتمعات هم مجموعة تظن أنها تعمل الخير وتنشد الإصلاح، بينما هي معول من معاول الهدم ونشر الفساد. أو التي تتوهم أنها قادرة على خداع المواطنين وتضليلهم ليقتنعوا بأنهم جماعة قادمة للإصلاح، ويخفون مآربهم ونواياهم الشريرة للإنسان والدولة. قد ينطبق معنى الآية بصورة واضحة على من تسمي نفسها بالأغلبية البرلمانية. يدعون أنهم يعملون لمصلحة الدولة، في حين تؤكد تصرفاتهم أنهم يعملون لتحطيم الدولة وتقطيع أوصالها وهدم استقرارها. فمنذ أن شعروا بأنهم تحولوا إلى أغلبية امتلأوا غروراً وغطرسة، وبدأوا يتعاطون مع قضايا الدولة وكأن الدولة أصبحت ملكية خاصة لهم يفعلون فيها ما يشاؤون. يريدون تغيير القوانين ونصوص الدستور ليتمكنوا من السيطرة وفرض أيديولوجيتهم والتحكم في القضاء للانتقام من خصومهم السياسيين.

في ضوء هذا التصور سنقيّم استجواب الأكثرية لنائب رئيس مجلس الوزراء وزير المالية الفاضل مصطفى الشمالي. لقد قررت الأكثرية إقصاء الوزير قبل الاستجواب. فقد كانوا، كما قال عنهم الوزير، يجتمعون بالجواخير والدواوين ليقرروا مصير الدولة ومستقبلها في تلك اللقاءات بدلا من الاجتماع وتبادل الآراء تحت قبة البرلمان. كما كان يحدث في برلمانات الكويت السابقة وبرلمانات العالم المحترمة. لقد سمعت بعض نواب الأكثرية يرددون أن وزير المالية انتهى فقد حصلنا على الأكثرية لإبعاده، يرددون هذا قبل جلسة الاستجواب وقبل أن يستمعوا إلى محاور الاستجواب وردود الوزير. لذلك كان الوزير عالما بما ستفضي إليه نتيجة جلسة الاستجواب، عارفا أن الأكثرية قررت إقصاءه ظلما وعدوانا قبل أن تستمع إلى ردوده وتعرف الحقائق. فمعرفة الحقائق والتوصل إلى حكم عادل وموضوعي لا يدخلان ضمن اهتمامات الأكثرية، كل ما يهمها اظهار القوة والسطوة لإرهاب الآخرين لينفذوا مطالبهم. ومع علم الوزير بهذا كله فقد حضر الجلسة، ثابت القلب والفؤاد رابط الجأش واثق النفس غير مكترث بعنجهية الأكثرية وغطرستها.

لا شك أن الاستجواب أبرز مخالفات وأخطاء في بعض أجهزة الوزارة، لا سيما في التأمينات والاستثمار. ولكن فاجأنا وزير المالية بردوده المقنعة، حيث أكد أنهم يسألون عن أشياء حدثت قبل مجيئه للوزارة بـ 15 عاما. وأن المستجوبين فشلوا فشلاً ذريعاً في إثبات مزاعمهم من خلال لجان التحقيق البرلمانية الأربع التي شكلت للتحقيق في تجاوزات الهيئة العامة للاستثمار وكانوا أعضاء فيها. كما برأت اللجنة المالية والاقتصادية في المجلس، بصفتها لجنة تحقيق برلمانية، برأت ساحة الهيئة وشركة الاستثمار من أي تجاوزات. وأكدت في تقريرها (2011/6/24) عدم وجود شبهة تجاوزات أو اعتداء على المال العام أو أي شبهة تنفيع لأشخاص بأموال عامة أو عدم وجود معايير وضوابط في إدارة الهيئة العامة للاستثمار. وكان موقع التقرير مقرر اللجنة النائب عبدالرحمن العنجري، أحد المستجوبين. أما بالنسبة لخسارة التأمينات فأرجع الوزير بعض تلك الخسائر إلى الأزمة المالية التي عصفت بمعظم دول العالم. وردوا على حجج الوزير المقنعة كعادتهم بالشتم والكلام القبيح البذيء. كما قال عنهم الوزير إنهم يلبسون الحق بالباطل ويكتمون الحق وهم يعلمون. وقال إنه أراد مخاطبة الشعب الكويتي ليحذره من هذه المجموعة التي تجتمع خارج المجلس وتصيغ الاستجوابات لتنحرف بالدستور وأحكامه. هكذا خرج من الوزارة نظيفا شجاعا رافع الرأس والهامة. فهل أدرك الشعب كنه رسالته؟

د. عبد المحسن حمادة

d_hamadah@hotmail.com
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.