بعد التصريحات الأخيرة الخاصة بمدينة الحرير وتكاليفها، وانجاز الجزء المهم منها خلال السنوات الخمس المقبلة، يبدو أن هناك خللا كبيرا لدى المسؤولين في تشخيص الأسباب المؤدية إلى تأخر إنجاز المشاريع في الدولة. فلو كانت القوانين والتشريعات هي السبب الرئيسي للتأخير لما استطاع الفاسدون الالتفاف عليها بسرعة وبسهولة لنهب أموال الدولة. فالمشكلة المعروفة هي عدم وجود عوامل التحفيز على الإنجاز الجيد والسريع بسبب غياب مبدأ الثواب والعقاب في أغلب الدوائر الحكومية، وعلى مستوى الوزراء وكبار المسؤولين أيضا.
فلو كانت هناك محفزات على الأداء الجيد وإنهاء المشاريع بشكل مناسب، لأمكن الالتفاف على القوانين (من دون مخالفتها) بهدف الإنجاز كما هو الحال عند النهب في وضعنا الحالي.
فحاليا هناك تضارب مصالح كبير يجعل عدم الانتهاء من المشاريع وإطالتها أكثر نفعا للموظفين والإداريين والمقاولين العاملين فيها. والأمثلة كثيرة على ذلك، ومنها الأكثر انتشارا، تشكيل لجان قبل البدء بأي عمل غير روتيني، وذلك في الدوائر الحكومية للنظر في موضوع معين، ويتم دفع مبالغ نقدية لأعضاء هذه اللجان على كل اجتماع يحضرونه (أو لا يحضرونه)، وعادة ما تتراوح بين 50 وأكثر من 100 دينار للاجتماع الواحد! وتكون المصلحة في خلق العديد من اللجان وإطالة مدتها إلى أقصى ما يمكن حتى يتم تحصيل أكبر قدر ممكن من المبالغ. وحتى إن انتهت اللجنة من عملها، فغالبا ما يكون ذلك من دون نتيجة مفيدة، ليتم تشكيل لجنة أخرى لحل المشكلة نفسها في ما بعد. ويمكن القياس أيضا على مفهوم الأعمال الإضافية، فيتم تجنب الإنجاز خلال أوقات الدوام الرسمية للاستفادة من الأموال التي تصرف للأعمال الإضافية، أي خارج أوقات العمل، وهكذا.
وهناك مثال آخر صارخ ومسكوت عنه للأسف حول تضارب المصالح، يتمثل في التعامل المادي وغير النقدي بين المقاول والجهة الحكومية المشرفة، إذ يتم تكليف المقاول بتوفير السيارات واللابتوبات وغير ذلك من المميزات للفريق الحكومي المشرف على المشروع، وبالتالي خلق نوع من التبادل المادي الذي يستغله المقاول لعملية «دهان السير»، أي كسب ود المشرفين عليه. والأنكى من ذلك ترك الحرية للمقاول والموظف الحكومي للاختيار بينهما نوع السيارة او اللابتوب، التي عادة ما تكون حسب ذوق الموظف الحكومي، فنشهد مثلا شراء السيارات الفارهة وغيرها من السلع الفاخرة. فيسير المشروع كما يود المقاول له أن يسير، وإلا خسر الموظف الحكومي المزايا الإضافية الممنوحة له من قبل المقاول.
وللقضاء على هذه الظاهرة من تضارب المصالح، يمكن الأخذ بما تقوم به بعض الجهات الحكومية التي تطبق أنظمة تحفيزية أكثر فاعلية، بحيث تمنح المكافآت السخية للمشاركين في المشاريع الناجحة والمتميزة. كما أن بعض الجهات لا تقوم بصرف أي مبلغ إضافي للموظفين الذين يتقاضون بدل طبيعة عمل. ويتم صرف مبالغ المكافآت الاستثنائية حسب تقدير الإدارة العليا للإنجاز.
يبدو انه من الضروري لتوجهات الإصلاحيين في البرلمان المقبل فتح ملف تضارب المصالح في الجهات الحكومية على مصراعيه، والأخذ بنماذج النظم التحفيزية الفعالة، لتتضح الصورة أكثر، وحتى لا تظل التشريعات والقوانين حجة لمن هو غير جاد وغير حريص فعلا على الإنجاز.
محمد رمضان
كاتب وباحث اقتصادي
rammohammad@
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق