لكل بلد في العالم عاصمة تكون مقرا للحكم، وفيها أهم المعالم الرئيسية والوزارات السيادية، وغيرها من الأماكن الحساسة، ومظهرها يدل على ان هذا البلد يتمتع بعمق حضاري، وامتداد تاريخي، وجمال طبيعي يضفيه عليه ساكنوه ومحبوه وتفخر به أجياله.
بدأ تخطيط الكويت الحديثة عام 1953، حيث كلف الشيخ عبدالله السالم الصباح الجنرال الإنكليزي هيستد الخبير في تنظيم المدن بوضع هيكل إسكاني جديد أفضى إلى اخراج جميع قاطني العاصمة إلى الضواحي بتنظيم رائع، حيث اعتبرت هذه من الخطوات الجريئة والجميلة، حيث وزعت الكويت الى مناطق مثل: الشامية والشويخ والفيحاء، ومناطق صناعية وتعليمية كثانوية الشويخ والكلية الصناعية، ومناطق طبية كمنطقة الصباح، لكنه كان يجب ان يصاحب هذه الخطوات اهتمام بالعاصمة في الوقت نفسه، ولكن مع الأسف أهملت وتركت ولم يشملها التخطيط أو الاهتمام بالنواحي الجمالية.
عاصمتنا عجيبة، عمارات قديمة متهالكة، عديمة النظافة لم يهتم بها ملاكها ولا ساكنوها، وإذا استدرت خلفها وجدت القمامة، وسلندرات الغاز، وبقايا أوان من المطاعم تسيل منها الدهون، وبقايا خضار فاسدة بعد تعرضها للشمس الحارقة، ومكيفات عفا عليها الزمن وخراطيمها تتدلى من البنايات بأشكال بشعة، وشوارع خلفية لا تعرف النظام ولم تعرفه في يوم من الأيام، حتى العمارات الجديدة، التي قام ببنائها القطاع الخاص، لا تتمتع بالتخطيط الهندسي الجميل المتناسق، حيث أصبحت جزراً متناثرة هنا وهناك، لا يجمعها رابط ولا تتوافر فيها مواقف السيارات.
وإذا استدرت الى مناطقنا النموذجية وجدت أيضاً حاويات النفايات في شوارعنا تثير الاشمئزاز، تتراكم فيها النفايات وتغزوها القطط ليلا ونهارا مبعثرة ما بداخلها ومشوهة مناطقنا النموذجية. في الغرب هناك أيام معدودة لظهور أكياس القمامة، في ساعة معينة تأتي السيارات لتحملها الى مصانع التدوير من دون ان تترك آثارا وروائح كريهة.
لن أحدثكم عن أوروبا ومبانيها القديمة ذات الطابع الجميل ومتاحفها وكنائسها، وكيف ان الصيانة حافظت على رونق هذه المباني، بل سأحدثكم عن دول خليجية قريبة، فمنذ دخولك المطار تشعر بأنك في بلد عرف طريق الرقي فتبعه، واذا دخلت الى المدينة وجدت كل ما يبهجك من عمارات جميلة ومواقف السيارات خلفها، ونظام عجيب، ومطاعم نظيفة، وشوارع لا تجد فيها عقب سيجارة، وزهور تزين الشوارع، وطرق سريعة متناسقة. على الرغم من أجوائهم التعيسة، لكنهم خلقوا جمالاً يجعل الملايين يزورنهم صيفاً وشتاء. فهل عجزنا ان نكون مثل هذه الدول – وهي حديثة العهد بهذا الانجاز – على الرغم من الامكانات الهائلة التي بحوزتنا؟!
د. صلاح العتيقي
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق