المشروع لم يكن نتاج الأزمة المالية لأن التفاوض بشأنه بدأ قبل عامين من ذلك
● «داو» ثالث شركة بتروكيماويات في العالم والشريك الاستراتيجي للدولة وأكبر مستثمر أجنبي في الكويت!
عدد لا بأس به من نواب الأمة ومن الكتاب الذين تناولوا مشروع “كي – داو” بالهجاء والذم، سواء قبل قرار الحكومة بالانسحاب من المشروع في ديسمبر 2008 أو بعد صدور الحكم القضائي الذي ألزم الكويت بدفع الغرامة المنصوص عليها في الشرط الجزائي، كرر القول بأن هذا المشروع لم يكن أكثر من محاولة بائسة سعت “داو كيميكال” الأميركية من خلالها إلى التخلص من عبء أصول متهالكة وغير ذات قيمة اقتصادية. ولست أعرف إن كان أي من هؤلاء النواب أو الكتاب الذين نظروا إلى مشروع “كي داو” نظرة ملؤها الشك والريبة يملك بيانات أو حقائق موثقة عن تفاصيل هذا المشروع، أو توافرت لديه معلومات موضوعية وموثوق بها عن تقييم الجدوى الاقتصادية والفنية للأصول المشار اليها في عقد المشروع.
تداعيات الأزمة المالية
ولعل أكثر ما يبعث على الاستهجان هو أن أيا من المتحدثين في هذا الاتجاه لم يعرض أدلة واضحة تؤكد ضعف أو عدم جودة الأصول موضوع الصفقة. وبما أن الصفقة لم تكن صفقة استحواذ أو امتلاك أو شراء أصول، بل كانت اتفاقاً لإقامة مشروع دولي مشترك لإنتاج البلاستيك يمتلك فيه الطرفان، داو كيميكال وشركة صناعة الكيماويات البترولية الكويتية، مناصفة حصصاً في مصانع قائمة وأخرى جديدة سيتم إنشاؤها، فإن هذا يضعف حجية القول برغبة شركة داو في التخلص من أصول متهالكة لمعالجة أوضاعها المالية الصعبة التي ترتبت عن الأزمة الاقتصادية. وهنا ينبغي التمييز بين أمرين، فقد تكون المتاعب المالية لشركة داو قد أسهمت في موافقتها على اقتراح الكويت خفض رأسمال المشروع في الربع الأخير من عام 2008، ولكن هذا الأمر لا يثبت ضعف جودة الأصول التي تشتمل عليها الصفقة. كما أن من الصعب تصور أن مشروع “كي داو” هو نتاج الأزمة المالية التي تفجرت في النصف الثاني من عام 2008، لأن المفاوضات بشأن المشروع بدأت قبل عامين من ذلك، تمكنت “داو” خلالها من الحصول على التراخيص والموافقات اللازمة له من السلطات المعنية، سواء في الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي. والتفكير والدفع بمشروع كهذا أمر يحسب للمفاوض الكويتي الذي رأى في الأزمة المالية فرصة استثمارية متوافقة مع التوجه الاستراتيجي المتعلق بتعزيز القيمة المضافة المحققة من النفط، عبر الاستثمار في الصناعات القائمة على مخرجاته.
الشريك الاستراتيجي لدولة الكويت
ومن يعتقد أن الدخول في مشروع مشترك مع “داو” مخاطرة غير مأمونة العواقب قد لا يعرف أن “داو” هي ثالث أكبر الشركات العالمية في مجال صناعة البتروكيماويات، بعد شركتي باسف الألمانية ودوبونت الأميركية، وأنها الشريك الاستراتيجي للكويت في مجال الصناعات البتروكيماوية، وأن الشراكة بين الطرفين قائمة منذ أكثر من عقدين من الزمن، ولدى “داو” سبعة مشاريع مشتركة مع الكويت، وأن “داو” أكبر مستثمر أجنبي في الكويت من خلال حصصها الرئيسية في مشروعات عدة، من أهمها مشروع إيكويت لإنتاج البولي إثيلين، أي لدائن البلاستيك المتميزة بالمتانة والعزل الكهربائي والحراري، والتي تستخدم في صنع الأنابيب والصفائح وأسلاك الكهرباء وأكياس التعبئة وصناعة التغليف ومواد البناء، فضلا عن إنتاجه للإثيلين غليكول، المحلول المانع لتجمد وغليان مياه الراديتير في السيارات، وكذلك مجمع الأوليفينات المكون من وحدة تكسير الإثيلين ومصنع إنتاج أكسيد الإثيلين المستخدم في إنتاج أنواع مختلفة الكثافة من البلاستيك وأكياس البلاستيك ومواد التغليف ورولات أغطية النباتات لحمايتها من الصقيع أو تسريع نضج الثمار، من خلال خاصية الأغطية في زيادة امتصاص التربة للأشعة تحت الحمراء. ويضاف إلى هذين المجمعين مصنع الستايرين الذي يستخدم في إنتاج مواد قوية وصلبة، وفي نفس الوقت ذات أوزان جزيئية خفيفة تدخل في صناعة الأدوات المدرسية والمنزلية وحاويات الأغذية والمطاط الصناعي، فضلاً عن أربعة مشاريع إضافية متخصصة في إنتاج منتجات بتروكيماوية أخرى وترويج وتسويق منتجات المجمعات المشار إليها.
أخيراً وليس آخراً، هذه الشراكة الاستراتيجية والمحورية حققت وتحقق للكويت أرباحاً وعوائد سنوية مجزية ومتنامية تثبتها التقارير السنوية المتعاقبة لشركة صناعة الكيماويات البترولية الكويتية، حيث بلغت زيادة الأرباح في السنة المالية الأخيرة 2010-2011 نحو 214 في المئة، أضف إلى ذلك أن أصول المشروع -المتهالكة- الذي انسحبت منه الكويت في 28 ديسمبر 2008، حققت مبيعات ومكاسب مضاعفة مقارنة بالتقديرات التي أخذت بها دراسة جدوى المشروع، فهل تتوافق هذه النتائج مع القول بأن الشركة الأميركية كانت تستهدف من مشروع “كي – داو” بيع أصول متهالكة إلى الكويت؟! أرجو أن أسمع إجابة معززة بالأرقام والدلالات الموضوعية.
* أستاذ الاقتصاد بجامعة الكويت
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق