هديل الحويل: “كاكاو”

كم من النساء كانت ستفضل أن يهديها أحدهم علبة “كاكاو” على حفنة من زهور? وكم من النساء كانت ستقبل بحمية غذائية تمنعها من تناول “الكاكاو” بتاتا? وإن قبلت, فكم واحدة منهن كانت ستلتزم بتلك الحمية فعلا? وكم رجلا كان سيترك عنه ادعاء أن “الكاكاو” شأن من شؤون النسوة, وضعف لبنت حواء, ويكشف عن عشقه الممنوع لـ “لكاكاو” فيجهر بعلاقته مع “الكاكاو” ويواجه العالم معتزا كما افتخاره بعشقه الأول “القهوة”?
إن امتناع أي شخص يسعى الى الاحتفاظ بنمط حياة صحي عن السكريات عموما هو أمر يصيب الصواب في عينه, وذلك لأثر السكر السيئ ـ حتى الخام منه- على صحة أجسامنا و سلامة أعضائنا, ولكن أن يمتنع أحدهم عن “الكاكاو” بمحض إرادته, وملء قلبه, وصفاء ذهنه من جنون, لهو ضرب من ضروب الحماقة.
إن “الكاكاو” أكبر في حجمه من كونه حزمة من سكر مكرر, و أعمق في معناه من كونه نبتة معالجة, و ذلك لأن العلم يثبت أن “الكاكاو” قادر على تحويل دفة سيكولوجية الفرد منا, عن طريق مادة “الآلكالويدز”, والتي بدورها تحتوي على “الثيوبروفين” و”الفينيثايلامين” و”الكافيين”, وهذه الثلاثة الاخرى هي المتحكمة بمستويات “السيروتونين” في الدماغ. و قد أشارت الدراسات والبحوث إلى أن استهلاك “الكاكاو” من قبل الإنسان بمعدل متوسط يعمل على خفض مستوى ضغط الدم, الأمر الذي من شأنه أن يترك أثرا مهدئا على الإنسان, والشاهد على كلام العلم هذا هو فشل “الكاكاو” الأميركي المليء بمواد السكر الرخيص والمكرر بالمقارنة مع “الكاكاو” الأوروبي السويسري منه و البلجيكي و الفرنسي, الذي تغلب عليه مادة “الكاكاو” الخام, مما يجعله أكثر تركيزا في طعمه, وأوقع في أثره على الشخص حين يتذوقه, فكأنك بكل قضمة منه تذيب قليلا من سعادة في جوفك, فتمتزج بأحشائك وتلتهم في طريقها كل ما عكر عليك صفو نفسك من هموم.
وللكاكاو تاريخ ثقافي يعود لألف ومئة سنة قبل الميلاد, والأدلة التاريخية تشير إلى أنه عرف أولا في أميركا الوسطى, حتى أنهم كانوا يتبادلونه في دور عبادتهم على شكل شراب بارد وبني ولزج عند مجتمعات المايا والآزيتيكس, والمايا تحديدا هم السكان الاميركيون الاصليون في جنوب المكسيك وشمال أميركا الوسطى, والذين بدورهم أطلقوا على هذا الشراب اسم “الماء المر”, حتى أن الوثائق تؤكد على أن جميع البلاد والأراضي المنتجة لحبوب “الكاكاو” والتي كانت تحت سيطرة الآزيتيكس كانت تؤمر بدفع محاصيلها من حبوب “الكاكاو” كضريبة أو جباية.
إلا أن الأوربيين فيما بعد عملوا على إضافة الحليب والسكر إلى “الكاكاو” وبينما كان الناس في المايا والآزيتيكس يعدون حبوب “الكاكاو” كجزء من طعامهم اليومي ويدخلونه في تركيب غذائهم اليومي عموما, كان الأوربيون يقصرونه ويحصرونه في كونه أحد أصناف الحلويات التي تعقب الوجبة الرئيسية.
وفي القرن التاسع عشر تحديدا, طور الانكليزي جون كادبوري (1802 ـ 1889) عملية معالجة خاصة لـ “الكاكاو” عملت على تحويله مادة صلبة, الأمر الذي تم تطويره لاحقا ليأخذ شكل لوح “الكاكاو” الرائج حتى وقتنا هذا. ورغم أن المصدر الأول للكاكاو كان الأميركيتين, إلا أن دول غرب أفريقيا تعتبر اليوم هي المنتج الأول للكاكاو بقدر ثلثي قوة إنتاج “الكاكاو” في العالم بأسره.
واليوم يكثر استخدام “الكاكاو” بين الناس, كما و تزدهر تجارة بيع “الكاكاو” أكثر في الأعياد والمواسم, وكثيرون منا يسعون إلى اقتفاء أثر “الكاكاو” في السفر, فنحرص على تتبع محلات “الكاكاو” لنتذوق بعضا من نكهة البلد الذي نزوره, ونحمل في حقائبنا بعضا من تلك النكهات لنهديها لاحقا لمن نحب. وعليه أقول قولي في النهاية بأنه يجب علينا أجمع أن نستمتع بـ”الكاكاو” حتى وإن حرمنا أنفسنا من أنواع الحلويات عن بكرة أبيها, و ذلك ببساطة لأن “الكاكاو” ليس مجرد صنف من أصناف الحلويات, و لأنه يرفض أن يكون مجرد صنف من أصناف الحلويات, ولأنني أرفض أن يصنف على أنه مجرد صنف من أصناف الحلويات!
h_alhuwail@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.