أ.د. محمد عبدالمحسن المقاطع
الإضراب أحد الحقوق التي تكفلها الدساتير وتنظمها القوانين، وهو حق تعترف به الاتفاقيات الدولية، ومن ثم فان الاضراب في الكويت هو أحد الحقوق الأساسية للعاملين في التعبير عن آرائهم وبيان موقفهم، على الرغم من كون الدستور الكويتي ساكتا في شأنه، لا اباحة ولا تحريما، بيد أنه وبالتأكيد ليس حقا مطلقا لا تسري عليه قيود ولا يخضع لضوابط، فهناك عدد من القيود والضوابط المهمة، التي لا بد من أن يتقيد بها الموظفون او العاملون المضربون حتى تتم ممارسة هذا الحق بصورة قانونية صحيحة، وقد بينت في كتابي «النظام الدستوري والمؤسسات السياسية في الكويت» مفهوم هذا الحق وحدوده والمقصود من ممارسته والضوابط التي ترد عليه، وأعيد في هذا المقال بيان هذه الضوابط، مشيرا الى أنه لا بد من ألا يؤدي الاضراب الى تعطيل المرفق، فلئن كان الاضراب من شأنه أن يشل مرفقا حيويا من مرافق الدولة العامة مثل مرفق الطيران أو النفط، فان ضرورة استمرار المرفق واطراده في العمل بصورة مستمرة، أمر يضفي على الاضراب بُعدا سياسيا حقيقيا على مستوى الدولة ويؤثر في سير حياتها ونشاطها. وهذا المبدأ اي استمرار المرفق في اداء خدماته وانتظام العمل فيه، يفوق حق الاضراب عند التعارض الكامل بينهما.
ولهذه الأسباب عمدت الكثير من الدول الى تنظيم هذا الحق بقصد تحقيق التوازن بين القائمين به وحقوقهم ومصالحهم من جهة، وحقوق الدولة ومصالحها من جهة أخرى، فاشترط – على سبيل المثال – الأمور الآتية:
1 – تحديد موعد الاضراب واخطار السلطة به مسبقا لاتخاذ اجراءات احترازية وليس لمنعه، فلا يجوز أن يكون الاضراب مباغتا أو مفاجئا.
2 – عدم شل قطاع كامل عند الاضراب، وتسيير المرفق بالحد الكافي واللازم لعدم وقف حركة الحياة، مثل تسيير رحلة طيران كل بضع ساعات، بحيث إن المرفق يستمر ولا تتعطل مصالح الناس مع وجود وقف مؤقت في بعض أنشطة المرفق – وفق الحاجة – حتى لا يكون الاضراب معطلا لمصالح الدولة.
3 – عدم تعريض القائمين بالاضراب للتهديد اذا التزموا بالاضراب المبرمج المقبول.
4 – عدم جواز استمرار الاضراب الى ما لا نهاية وبصورة غير محددة، وانما يكون وفقا للتفاوض والتباحث مع عدم جواز التعرض لمن يقومون بتسيير عمل المرفق.
5 – حق الدولة في الاستعانة ببدائل مؤقتة لتسيير شؤون المرفق عند الاضراب بالتفاهم مع النقابات المعنية وتحقيقا للمصلحة العليا، التي هي المصلحة الراجحة.
وفي جميع الأحوال، فان الاضراب لا يجوز أن يضر بالمصلحة العليا للدولة بتعطيل مرافقها، كما أنه بحاجة الى قرار حاسم من قبل الحكومة لتحسم رأيها في موضوع الكوادر بقرار جازم لا تراجع فيه، ومن ثم تبين وجهة نظرها ان كانت المطالبات غير عادلة وتدافع عن رأيها وتتعامل مع الاضراب وتواجه تداعياته على هذا الأساس حتى لو أدى ذلك الى استقالة الحكومة، تحت ضغط التهديد البرلماني الذي يسعى من خلاله بعض أعضاء مجلس الامة للتصعيد والاستفادة السياسية غير المبررة من كل ذلك، وكأن مصلحتهم الانتخابية أهم من مصلحة الدولة وبكل أسف!
اللهم إني بلغت.
أ.د. محمد عبدالمحسن المقاطع
Dralmoqatei@almoqatei.net
قم بكتابة اول تعليق