عالية شعيب: حاذر المستنقعات

فقدت منذ أيام صديقا عزيزا. ولدي دائرة أصدقاء صغيرة جدا، يندر الاضافة اليها الا بعد جهد كبير، لذلك أتألم كثيرا حين أفقد أحدا منها. لم يمت صديقي إنما مات بالنسبة لي. عرفته انسانا مهذبا راقيا، يحاور بنبل ويساعد من حوله على الفهم، يكرس وقته للدفاع عن المظلوم واعانة المحتاج، يحبه الكل ويحب الكل. سرقه تويتر وكبر طموحه وأصبح بعيدا لا يمكنه سماعنا، شاهقا لا يمكننا الوصول اليه. افتقدته منذ أيام فتفقدته هنا وهناك، واذا به يدير حربا كلامية سفيهة طاحنة، يشتم هذا، ويطعن بشرف تلك، يسخر من فلان ويسب قبيلة أو عائلة علان. صدمت ولم أصدق، بحثت وبحثت حتى تأكدت من ظنوني، واتضح لي أنه يخوض مثل هذه الخلافات البذيئة والمشاحنات المنحطة من فترة، وهكذا لم يكن هناك مفر من إلغاء الصداقة.
البذاءة شيطان يتربص بنا. يوجد داخل كل واحد منا، لكنه مكبل خلف قضبان من التسامح والتواضع والكرامة والاحترام. بعضنا يملك قضبانا هشة، وبعضنا قضبانه متينة لاتهزها شتائم فلان وعلان. لأن تلك الشتائم هي عامل الاستفزاز التي تجعلنا نضعف ونطلق شيطاننا الجامح بغضبه وانفعاله ليرد الاساءة وأكثر. من منا يعرف ان كان هو بذيئاً وسفيهاً أم لا، وكيف نرى متى سنصبح كذلك، وما هو الموقف الذي سيحولنا الى ذلك الشخص الذي يسب ويشتم ويطعن بشرف الناس. وماذا يمكن أن نفعل حتى نتسلح بأقفال وجيوش ومدافع حتى نمنع أنفسنا من الانزلاق لتلك الهاوية. هذه هي الأسئلة المهمة. فتلك الأقفال هي الثقة بالنفس والسمو والعلو على الاساءات. والجيوش هي الفضائل والمبادىء السامية، والمدافع هي كظم الغضب والتحكم في الانفعال وعدم اتاحة المجال للآخرين للوصول الى مساحاتنا البيضاء الداخلية وتشويهها. يقول غاندي (لا تدع الناس تسير بأقدامها الوسخة في رأسك)، فإن رأيت شخصا متسخ اللسان ابتعد عنه، وان صادفك شخص متسخ الأقدام فاعرض عنه، تمسك ببياضك وبطهر نفسك وبرقي أخلاقك، ولا تنزلق في مستنقعات البذاءة.

aliashuaib@gmail.com
المصدر جريدة الراي

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.