الغنيم : إنشاء المدارس النظامية جاءت عن طريق احتفال الكويت بالمناسبات الدينية

 

قال الباحث في التراث الكويتي الدكتور يعقوب الغنيم ان فكرة انشاء المدارس التعليمية النظامية جاءت عن طريق احتفاء اهل الكويت بالمناسبات الدينية كالمولد النبوي الشريف والاسراء والمعراج وغيرها من المناسبات.
واوضح الغنيم في لقاء مع وكالة الانباء الكويتية (كونا) ان حرص اهالي ووجهاء الكويت على الحضور والاستماع لمآثر النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة وحثه على طلب العلم كان بداية للتعليم المنهجي النظامي الذي يخضع لقوانين تربوية ورقابة حكومية بعد ان كان التعليم محدودا وبسيطا عن طريق (الكتاتيب).
واشار الغنيم الى حدث عام 1910 ضمن احتفال أقيم في ديوانية الشيخ يوسف بن عيسى القناعي بمناسبة المولد النبوي الشريف والذي حضره العديد من وجهاء واهل الكويت حيث كان الشيخ محمد بن جنيدل يقرأ المولد من كتاب كانت له شهرة كبيرة وهو كتاب (المولد) للبرزنجي.
وتابع انه لما انتهى الشيخ جنديل من قراءة المولد قام المرحوم السيد ياسين طبطبائي وألقى كلمة خلاصتها “ليس القصد من مولد النبي تلاوة المولد وانما القصد الاقتداء بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الأعمال الجليلة ولا يمكننا الاقتداء به إلا بعد العلم بسيرته والعلم لا يأتيكم اليوم إلا بفتح المدارس المفيدة وإنقاذ الأمة من الجهل”.
ولفت الى ما أورده الشيخ يوسف بن عيسى القناعي عندما كتب عن نشأة المدرسة المباركية والأسباب التي دعت الى ذلك انه بعدما انتهى الطبطبائي من كلامه فكر الشيخ القناعي في الوسيلة التي يكون بها فتح مدرسة علمية.
وقال الغنيم انه كان لهذه المناسبة اثر عظيم في نفوس الحضور حين أعلنوا في الاحتفال الديني عن استعدادهم لتقديم التبرعات للعلم وكانت البداية لانشاء المدرسة المباركية في 12 من شهر ربيع الأول لسنة 1328هجرية الموافق 22 مارس 1910.
واوضح انه نظرا للامكانات المادية المحدودة للحكومة في ذلك الوقت رأى الأهالي ان يقوموا بالتبرع لإنشاء المدرسة وكان أول من بدأ التبرع هو الشيخ يوسف بن عيسى وذلك بمبلغ 50 روبية ثم بدأ البناء وتأسست هذه المدرسة في فترة زمنية وجيزة لا تتعدى تسعة أشهر وتم افتتاح المدرسة المباركية في عام 1911 وكان عدد الطلبة عند الافتتاح 254 طالبا وارتفع العدد في السنة التالية الى 346 طالبا.
واضاف انه تولى إدارة هذه المدرسة الشيخ يوسف بن عيسى ويوسف بن حمود وعبدالعزيز الرشيد واشتغل فيها عدد من المدرسين منهم الشيخ عبدالعزيز بن حمد المبارك الإحسائي والشيخ نجم الدين الهندي وعبدالرحمن العسعوسي وعبدالملك صالح المبيض والشيخ عبدالله النوري وغيرهم.
وقال الغنيم ان اهل الكويت جبلوا على مشاركة العالم الاسلامي في الاحتفال بجميع المناسبات الدينية عن طريق قراءة قصة المولد النبوي الشريف والسيرة النبوية الشريفة وكانت هذه القراءة تتم في المساجد وفي الديوانيات والمكاتب التجارية والمنازل وكان يحتفل بها الرجال والنساء والاطفال حيث تمتد فترة القراءة الى ما بعد صلاة العشاء الى ان ينتهي القارىء.
واضاف ان من المساجد المشهورة التي كانت تحيي هذه المناسبات مسجد المديرس ومسجد الساير الشرقي اما من اشهر القراء الشيوخ فهو الشيخ محمد بن جنيدل وهو من مواليد سنة 1890 وكان مولده في الحي القبلي من الكويت العاصمة وقد درس في الكتاتيب التي كانت بالقرب من سكنه وتلقى العلم على أيدي عدد من العلماء وشيوخ الدين وكان إماما وخطيبا وتولى كتابة عقود الزواج والافتاء في المسائل الفقهية.
وافاد الغنيم بأن جلسات قراءة المولد أو قصة المولد لم تقتصر على الرجال فكانت (المطوعة) تحيي المناسبات الدينية وعلى سبيل المثال المطوعة أمينة اليهره (الجهراء) حيث كانت تقرأ المولد (المالد) ويتجمع حولها النسوة للاستماع وترديد الأدعية والصلاة على الرسول الكريم.
وبين ان كلمة (المالد) المتداولة في ذلك الوقت تدل على الحفلة التي يجتمع فيها الناس لقراءة ما كتبه البرزنجي عن مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته النبوية الشريفة وهي من تأليف البرزنجي وهو زين الدين جعفر بن حسن البرزنجي المتوفى في سنة 1764 وقد عرف بأنه فقيه أديب من أهل المدينة المنورة ولد ونشأ وتوفى فيها.
واضاف ان له مؤلفات عدة منها قصة المولد النبوي الشريف وقصة المعراج حيث يتكون كتاب البرزنجي من 23 صفحة كتبت على هيئة فصول ووقفات وتعتبر هذه الوقفات فرصة لقارىء المولد لكي يرتاح كلما قطع مرحلة من مراحل القراءة وعندما يتوقف يبدأ الحاضرون بالدعاء بصوت منغم عال قائلين “عطر اللهم قبره الكريم بعرف شذي من صلاة وتسليم” وعندما يتوقف هؤلاء عن الدعاء الذي يقومون بترديده أكثر من مرة يستأنف القارىء قراءته وهكذا حتى النهاية.
وافاد الغنيم بأن المالد في الكويت أنواع منها تجمعات ينشد فيها مختصون أناشيد دينية متنوعة حيث يجلس الرجال في صفين متقابلين على صفة الجلوس في الصلاة ويقف في الطرف بين الصفين رجل عليه مهابة السن هو المنشد يقرأ أجزاء من قصة المولد ثم يتلو ذلك بنشيد طويل يقدمه بتنغيم جميل وبصوت عال.
وقال انه عند بعض الوقفات التي يقفها الرجل كان الجلوس يردون عليه بعد أن يقفوا نصف وقوف بأن يرفع كل واحد جذعه الأعلى ويبقي الساقين والركبتين على الأرض فمن ذلك أن المنشد أو الملا عندما يصل بالنشيد إلى قوله “بشراكم يا مادحين محمدا نلتوا الهنا بالفوز والبركات” يهب الجالسون ويقولون “اللهم صل عليه اللهم صل عليه”.
واضاف ان الليل يمضي وهم ينشدون إلى أن يصلوا إلى نهاية حفلهم هذا وعند ذلك يقفون متقابلين ويرددون نشيدا موحدا بينهم ثم يقدم لهم طعام العشاء.
وذكر الغنيم ان فرقة الشيخ محمد الدوب كانت من أهم الفرق الخاصة بالمالد وأكثرها شهرة حيث يطلب الدوب لأداء المالد في المنازل وفي الديوانيات ويحتشد الناس لسماعه وقد صارت له أناشيد معروفة ومحفوظة في أذهان الناس ومنها النشيد المشهورة في ذلك الوقت “صلى عليك الله يا العدناني يا المصطفى يا صفوة الرحمن”.

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.