د.عبد المحسن حمادة: تهديد الأكثرية للحكومة

بعد أن علمت الأكثرية أن هناك توجها حكوميا برد عدد من القوانين التي أقرها المجلس اخيرا. بدأت تلوح بورقة استجواب رئيس الوزراء. في محاولة منها لمنع الحكومة من رد القوانين. وبادرت الحكومة برد قانون اعدام المسيء للذات الالهية. وسبق لصاحب السمو أن رفض اقتراح تعديل المادة 79 من الدستور. كما حذر الرئيس الأعلى للقضاء من خطورة محاولات المجلس التدخل في شأن القضاء. مما يدل على أن المجلس يحاول السيطرة على مفاصل الدولة والقضاء والقرار الحكومي. وبين صاحب السمو في معرض رده للقانون أن القانون تشوبه مخالفة دستورية وثغرات قانونية لتمييزه بين المسلم وغير المسلم في العقوبة، في حين أن الدستور ينص على وجوب المساواة بين البشر أمام القانون،

ونضيف الى ذلك أن من خلال قراءتنا لسيرة النبي (ص) يتبين أن المنافقين الذين عاشوا معه في المدينة آذوه ايذاء كثيرا، ومع ذلك لم نسمع عن أن النبي قد قتل أحدا منهم ولم تشر آيات القرآن الى ذلك. بل تطلب ترك أمرهم الى الله «ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين ان شاء أو يتوب عليهم ان الله كان غفورا رحيما». (الأحزاب: 24).

ومن الآيات التي تصور ايذاءهم للنبي «ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن» (التوبة: 61). أي لا رأي له بل يسمع لكل رأي ويتجاوب معه. «هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السموات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون. يقولون لئن رجعنا الى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون». (المنافقون: 7،8). وهي كلمات قالها عبد الله بن سلول رأس النفاق وطلب عمر من النبي ليضرب عنقه ولكنه رفض ذلك قائلا لا يريد أن يقول التاريخ أن محمدا يقتل أصحابه. وأخذ برأي قتل المسيء علماء جاءوا بعد عهد النبي. ونتمنى أن نثق بالاسلام وندرك أنه دين قوي لن يؤثر فيه من يحاول الاساءة الى رموزه بقدر ما يؤثر فيه التزمت والتشدد.

أما بالنسبة لقانون جامعة جابر والمقصود به تحويل الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب الى جامعة، فبعد أن ترددت أنباء عن توجه حكومي لرده، نشرت جريدة «اليوم» عن مرسوم انشائها، وتمنينا ايقافه، لأن من خلال متابعتنا لنشأة الهيئة سنجد أنها نشأت لتطور التعليم الفني والمهني في دولة الكويت وحاجة الكويت الى هذا النوع من التعليم، حيث تم فتح فصول في المدرسة المباركية للتعليم التجاري واعداد المعلمين في الأربعينات من القرن الماضي. ثم افتتحت مدارس مستقلة للتعليم الفني (بنين وبنات) بعد المرحلة المتوسطة. وتم اغلاق التعليم الفني على مستوى المرحلة الثانوية وبدأ افتتاح معاهد عليا بعد الثانوية في منتصف السبعينات. وفي 1980 شكلت لجنة لدراسة انشاء مشروع الهيئة وبعد دراسة استغرقت عامين صدر قانون انشاء الهيئة لتشرف على المعاهد العليا. فهي جزء مهم من التعليم العالي.

وهكذا تأسست الهيئة وتطورت ثمرة لجهود استغرقت أكثر من سبعين عاما. فليس من المنطق شطبها وتحويلها الى جامعة ترضية لأكثرية نيابية تهدد بالاطاحة بالوزراء، واحدا بعد الآخر.. واحدا بعد الآخر، واسقاط الحكومة عن طريق الاستجوابات اذا لم ترضخ لمطالبها حتى لو كانت غير دستورية وضارة بالدولة. وعلقت الأكثرية على صدور المرسوم أن الحكومة رضخت لرأيها وستقر قانون المسيء في الفصل التشريعي المقبل وستسقط الحكومة اذا صوتت ضده، غير مكترثة بالأسباب الوجيهة لرده، وهكذا حولت هذه الأكثرية أهداف الاستجواب من أداة للاصلاح الى وسيلة ابتزاز لارهاب الحكومة واجبارها لتنفيذ مطالبها. ان انشاء جامعة من اختصاص السلطة التنفيذية يجب ألا يتخذ مثل هذا القرار الا بعد الدراسات المستوفية لمعرفة جدواه وتمويله وحاجة سوق العمل لمثل هذا المشروع. نأمل أن تتخلى الدولة تدريجيا عن مسؤوليتها عن التعليم العالي للقطاع الخاص فهذا هدف من أهداف الخطة، وأفضل وسيلة لاصلاح الجهاز الحكومي المتردي. فالمستثمرون في التعليم الخاص رجال أعمال صالحون يقدمون خدمات جليلة للدولة وليسوا متنفذين وأصحاب أطماع كما تتصورهم الأغلبية.

د. عبد المحسن حمادة

D_hamadah@hotmail.com
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.