د.سليمان الخضاري: «نجرة»… على كل شيء!

ما عاد السفر هذه الأيام تلك التجربة التي ينقطع فيها المرء عن التواصل مع الشأن اليومي في بلده، فتويتر وفيسبوك وغيرها، سامح الله مخترعيهما، قد فرضا علينا نوعا من الإدمان على استخدام الكمبيوتر وأجهزة الموبايل، فالمعلومات، غثها وسمينها، تتدافع على تلك المواقع بكمٍ رهيب ومغرٍ لا يسمح للمهتمين بمقاومة الرغبة في البقاء على اطلاع بما يجري.
لكنني لا أدري هل هو شيء خاص بمواقع التواصل الاجتماعي، ولا علاقة له بما يحدث حقيقة على أرض الواقع، وهذا ما أتمناه، أم لا، فالمتابعون لـ «تويتر» والـ«فسبوك» يكادون يجمعون على خطورة الوضع في الكويت في ظل الاستقطاب الحاد الذي نكاد نتلمسه في كل القضايا التي نعايشها يوميا، كبرت أم صغرت!
تدخل عالم «تويتر»، فيصدمك ما يجري هناك من تأجيج لمشاعر أو غرائز طائفية أو عنصرية، وترى الكل يطلق لنفسه العنان بالبوح بمكنونات نفسه، فترى فعلا ذلك المستوى الخطير من التهلهل والتفكك الذي نعانيه في واقعنا السياسي والاجتماعي، والذي نحاول إخفاءه دائما وراء ستار من الممارسات الاجتماعية البروتوكولية والمجاملات المفرطة، والابتسامات البلهاء!
تقلب صفحات «تويتر» من شخص لآخر، وتراهم يتحدثون عن شيء لا تعرف منه إلا اسمه، الكويت، لكننا فعلا أمام «كويتات»، وليست كويتاً واحدة، فالكويت تختلف تعريفا وواقعا ووجهة وهوية بعدد اختلاف المغردين وتصنيفاتهم، فهنالك كويت للسنة، وأخرى للشيعة، وكويت للبدو، وكويت للحضر، وكويت لأبناء الجهراء وأخرى لأبناء الروضة، وثالثة لأبناء الرميثية، وهلم جرا!
تقلب الصفحات مرة أخرى، فترى العجب العجاب، موظفون حكوميون تعرفهم وتعرف مستواهم العلمي والمهني التعيس، وتعلم مستوى الفساد والإهمال الذي يمارسونه في هذه البلاد، لكنهم يعوضون عن ذلك بالدخول في لعبة الإعلام، ويتصدرون عالم «تويتر» من حيث أعداد المتابعين لهم ولأنشطتهم، وأجمل ما في الموضوع، أو الأكثر إثارة للكوميديا السوداء، هو أنهم يقومون بتقديم المواعظ حول الوطن وحبه ومحاربة الفاسدين، وإن تجرأت و«دست» لبعضهم على طرف، بالحق طبعا، فالويل لك من التعبئة الغرائزية ضدك، والتهم ضدك بالعنصرية والطائفية والفئوية جاهزة، وقابلة للتصديق دون تفحص أو تدقيق!
أخطر ما في الموضوع بالفعل، هو تلك الحالة السائدة من الإحباط، الإحباط الناشئ من الاحساس بانعدام القاسم المشترك، فلا هدف يجمعنا ولا قضية، وإنما مجرد شعارات عامة ما تلبث أن ينكشف زيفها عند مناقشة التفاصيل، وعندها تكتشف أن للتنمية ألف معنى، وللتطوير مئة ألف، وللوطن نفسه أكثر من ذلك… بكثير!

Twitter: @alkhadhari
المصدر جريدة الراي

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.