شاهدنا قبل أيام الكوميديا السوداء التي حدثت أثناء استجواب نائب رئيس مجلس الوزراء وزير المالية السابق مصطفى الشمالي وبعده، وما حدث فيها من مناظر ومشاهد هزلية يندى لها الجبين، وتُشعر المواطن الغيور بالأسى والحزن على ما وصلنا إليه من تدهور في أخلاقيات الخلاف والاختلاف. إن الاستجواب حق مشروع للنائب متى ما كان ذلك يهدف بالأساس إلى خدمة الوطن والمواطن، ولنا أن نتساءل لماذا كان الاستجواب؟ وماذا حقق للوطن؟ وما الفائدة التي جناها المواطن بعد استقالة رجل خدم الوطن بإخلاص وتفانٍ على مدى أكثر من ثلاثين عاماً؟ الشيء المؤكد أن الاستجواب كان تصفية حسابات وشخصانية بامتياز، كم هي مؤلمة تلك المناظر التي حدثت بعد إعلان الوزير مصطفى الشمالي استقالته من قبل “الجمهور” الذي حضر “المسرحية”، عفواً الاستجواب، والذين قاموا برقص العرضة و”التهويس والتلويح بالعقل والغتر” بمشاركة بعض الأعضاء. عذراً سمو الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم، فقد حدث ذلك في القاعة التي تحمل اسمكم الكريم! عذراً فقد حدث هرج ومرج وصراخ و”زعيق” وشتم وتجريح بكلمات يعفّ حتى الأطفال عن ترديدها! عذراً شيخنا الجليل فقد آذيناك في جنانك مرة أخرى، فبعد أن تحولت القاعة إلى ساحة للقتال بين الأعضاء في معارك استخدم فيها كل أنواع الأسلحة الممكنة، ثم الاقتحام والتكسير، وبعدها جاء دور رقصة العرضة “والتهويس” على مسمع ومرأى من رجال عاصروا عهدكم الميمون دون أن يحركوا ساكناً أو يندى لهم جبين خجلاً من ذكراكم. عذراً شيخنا الجليل فلم تعد ديمقراطيتنا كما عهدتموها، ولم يتبق من الدستور يا “أبا الدستور” إلا وريقات نتغنى بها، لم يعد الوطن فوق الجميع بل أصبح البعض فوق الوطن، وللأسف يحدث هذا في ظل فتنة كبرى تحيط بنا بدأ أوارها يتحرك تحت الرماد… فهل يدرك ممثلونا ذلك؟! عذراً شيخنا الجليل فقد تلاشى التقدير والاحترام بين الأعضاء الكرام، وغدا وضعنا ينطبق عليه بيت الشعر الذي تفضلتم بإلقائه في افتتاح أحد الفصول التشريعية:
تُهْدَى الْأُمُورُ بِأَهْلِ الرَّأْيِ مَا صَلُحَتْ فإنْ تَوَلَّتْ فبِالأَشْرارِ تَنْقادُ نعم شيخنا الجليل هذا هو واقعنا الآن في المجلس. هل تعلم سيدي أن الوطن الذي سكن وجدانكم قد دنسته أقدام غزو غادر لم يراع حرمة لدين أو جوار؟ وتجول في الخاطر تلك الساعات التي تلت خطاب المدعو عبدالكريم قاسم ومطالبته بضم دولة الكويت للعراق بافتراءات باطلة، فخرجت جموع الشعب الكويتي عن بكرة أبيها في تظاهرة عفوية حاشدة، وهي تحتضن وطناً سكن الوجدان، تهتف من القلب “يابو سالم عطنا سلاح” ولي الشرف والفخر بأني كنت من بين تلك الجموع مع إخوة أعزاء تتجاوز أعمارنا أصابع اليد الواحدة بقليل، ولم تهدأ تلك الجموع إلا بعد أن أطللتم بهيبة الرجل الوقور، وبكلمات تحمل الكثير من الحكمة اطمأن الجميع بأن الأمور بيد من هو أحرص منها على أمن هذه الأرض واستقرارها… يومها تفضلتم بالقول: “أشكر لكم موقفكم الشجاع، وإذا تأزمت الأمور- لا سمح الله- فأنتم الذخيرة والعمود الفقري”. أين تلك الجموع في عام 1961 من الحشود الآن في ساحة الإرادة وهتافاتهم التي تخلو من اللياقة؟! دعاؤنا لكم شيخنا الجليل أميرنا الراحل عبدالله السالم بالمغفرة والرضوان في جنة عرضها السماوات والأرض، ودعاؤنا بأن يحفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق