مع صدور مرسوم تعطيل البرلمان لمدة شهر أجد أنها فرصة مناسبة جداً لتقييم مسار الحراك السياسي في البلاد، وتحديدا في العلاقة بين السلطتين، وهنا لا نفهم مطالبة الأغلبية النيابية دخول الحكومة كشريك أساسي، إلا كونها استحقاقاً طبيعياً حتما سيؤدي إلى انسجام بين السلطتين، ووضعاً مستقراً يعين أعضاء الحكومة ونواب البرلمان على خدمة البلاد والعباد بصورة مفيدة، بل أكثر من ذلك حين نرى أن الحكومة لا يمكن لها أن تعمل بمعزل عن إرادة تلك الأغلبية التي تملك أصواتاً كافياً لطرح عدم الثقة في أي وزير تشاء، وطرح عدم التعاون مع رئيسها في أي وقت ترتئي.
ولكن أحسب أن هناك جملة من الاعتبارات والسلوكيات غير اللائقة التي على الأغلبية أن تتفاداها إذا ما أرادت أن يكون لها الموقع المثالي في المشاركة – جنباً إلى جنب – بقيادة القرار السياسي تنفيذا وتشريعاً، والمنسجم مع حجمها في مجلس الأمة.
الاعتبار الأول يكمن في الانطلاقة غير الموفقة التي بدأ بها نواب الأغلبية مطلع دور الانعقاد الحالي لمجلس الأمة، وأدت إلى فقدان بقية الأطراف الثقة بها، وهي المقومة الأهم التي على الأغلبية النيابية أن تتمتع بها قبل أن تصبح شريكاً حقيقياً وأصيلاً مع سمو رئيس مجلس الوزراء الذي يمثل ثقة سمو الأمير اليوم، تلك الانطلاقة غير الموفقة التي بدأت بتلويح أحدهم باستجواب رئيس الوزراء في الأسبوع الأول، مروراً بوضع أولويات برنامج الجلسات من خارج مجلس الأمة، وعبر اجتماعات غير رسمية للأغلبية، التي من شأنها إرسال مؤشرات غاية في الإيجابية للحكومة من جهة، ولنواب الأقلية من الجهة الأخرى، ومروراً بتشكيل لجان تحقيق هدفها تصفية الحسابات مع خصوم الأمس، وتم تحديد رؤسائها وأعضائها باتفاق خارج قبة عبدالله السالم أيضاً، وانتهاء بجملة من الاستجوابات التي لا يمكن وضعها إلا في خانة تعكير صفو العلاقة بين الحكومة والمجلس، والدفع باتجاه عرقلة عمل الوزراء، واجتثاث الجو الإيجابي والمناخ المريح للعمل في مؤسسات ووزارات الدولة.
الاعتبار السلبي الآخر في الخطاب الانفعالي واللغة الجلفة التي تمارسها الأغلبية النيابية في التعاطي مع الحكومة، وكلنا شهد الأسلوب غير اللائق في تهديد الوزراء لأتفه الأمور، والتهوين من قدرهم والتجريح بهم في الاستجوابات بلغة استعراضية لا تمت للذوق العام بأي صلة، بل أكثر من ذلك حين نشم رائحة التسابق في هذا المجال بين بعض نواب الأغلبية النيابية لاستجداء عطف الناخبين وكسب تأييدهم – وللأسف الشديد – على حساب مصلحة عموم أهل الكويت، وباتت الفئوية لبعض نواب الأغلبية والمطالب الاصطفافية تمثل السلوك الأبرز الذي يحكم طبيعة تعاطيهم مع الشأن العام، وليس آخرها تهديد النائب محمد هايف باستجواب رئيس الوزراء بسبب تهمة استبعاد فئة من المجتمع من التعيينات الأخيرة في الحرس الوطني!
ومن السلوكيات السلبية تهديد الحكومة بقبولها تعيين تسعة وزراء من الأغلبية النيابية، وإلا عدم التعاون معها! وتلك مفارقة تستحق التأمل، إذ كيف تطالب الأغلبية النيابية بالشراكة مع الحكومة بلغة التهديد والوعيد؟! وبدلا من هذا الأسلوب التهكمي لماذا لا تبدأ الأغلبية النيابية بفتح حوار مسؤول وجاد مع أقطاب الحكومة للوصول إلى فهم مشترك حول قضايا رئيسة تهم الناس اليوم، ويتم وضع جدول زمني لتنفيذها على أرض الواقع؟ حينها يمكن المطالبة بالعمل المشترك بين الحكومة والأغلبية.
لذا أحسب أنه من المهم اليوم إذا ما أرادت الأغلبية دخول الحكومة كشريك أساسي أن توقف لجان «التصفية» مع خصوم الأمس أولاً، وأن تغير لغة الخطاب من التهديد والوعيد إلى لغة أخرى تُقرّب ولا تُبعِد وتُريح ولا تُغضِب، وأيضا أن ترسل رسائل ارتياح واطمئنان للمجتمع بكافة فئاته وتعدد انتماءاته، وعليها أن تنزع ثوب الاصطفاف الفئوي والقبلي والطائفي لتلبس ثوب الوطن فتكون من الجميع وللجميع، ومن هنا فقط يمكن الحديث عن تغير المناخ السياسي لمزيد من الثقة التي تبعث على الارتياح، ومن شأنها أن تضع الأغلبية النيابية في موقعها الصحيح وهو المشاركة الرئيسة في الحكومة.
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق