دور سؤال بين الكويتيين حول ما يجري في مصر، هل أنت مع الديمقراطية والشرعية، أم مع الانقلاب العسكري؟ جاءني هذا السؤال أكثر من مرة على حسابي في تويتر! وكان السائل يقذف بقفاز التحدي! يتبادر إلى ذهني في مثل تلك الأسئلة فكرة قديمة تذهب إلى القول، لو كانت الأمور كما تبدو لنا ظاهريا لما احتجنا إلى العلم! فالعلم يحدد لنا الطيب من الخبيث، فقط علينا استخدام عقولنا، مثل تلك الأسئلة تستدرج الإجابة تلقائيا، فإن قلت إنك مع الانقلاب، فأنت غير ديمقراطي ومضاد للحريات، وإن قلت إنك مع الرئيس المُنحى فأنت بالضرورة مع الديمقراطية.
ليس الأمر هكذا بهذه القطعية كما يبدو من الظاهر.
في حالة السيولة السياسية الشديدة التي تجري في مصر وحولها، تختلف وجهات النظر ألى حد التنافر، لا بد والأمر ذاك من النظر إلى عمق الصورة. العمق في تصوري أن الحكم القائم على الأيديولوجية (أية أيديولوجية) في عصرنا، دائما يقود إلى الاستبداد. فشل جماعة الإخوان بالحكم في مصر، وربما في تونس في القريب، إنه حكم قائم على أديودلوجيا لا تتفهم مطالب العصر وتطور الزمن وتغير الحال.
الإشكال الذي نواجهه في الخليج والكويت أن الآراء منقسمة عموديا كما يحدث في مصر، زادها الانقسام تحيزا وسائل الاتصال الحديثة، مثل الفيس بوك والتويتر، ولكن الأهم محطات التلفزة الكبرى، ومن الغريب أن هذا الانقسام مشاهد يوميا، فإن كنت من مؤيدي محمد مرسي والجماعة، شاهد الجزيرة ترتاح، وإن كنت من مؤيدي النظام الجديد، شاهد العربية ترتاح، في الوقت الذي من المفروض أن تكون مرجعية الاثنين واحدة هي المرجعية الخليجية.
ليس جديدا أن تضيع الحقائق في معترك الصراع السياسي الحاد، فقديما قيل إن الضحية الأولى في الصراعات هي الحقيقة، بل إن سقراط في أثينا القديمة طالب بطرد الشعراء من المدينة لأنهم يفسدون عقول الفتيان.
مستحدثات الحالة العربية قسمت البيت الخليجي شعبيا وإعلاميا، خطورة هذا الانقسام أنه قد يؤدي إلى إضعاف الدور الخليجي من جهة، وإلى اختراق في الصف بسبب فقدان المناعة التاريخي للمتلقي العربي، الذي يطربه التحيز من جهة أخرى، المعركة الدائرة يمكن إيجازها بـ «الحرب على العقول»، ففي الوقت الذي بعثرت فيه وسائل الاتصال الحديثة التوافق الاجتماعي، أصبح من الممكن إشعال الحرائق الصغيرة من خلال حاملي راية التزيين والتزييف. تتشبع وسائل الإعلام الجديدة بوابل من الإشاعات، إلى درجة أني شاهدت صورة لوصل بآلاف الجنيهات المصرية، قيل إن رئاسة الجمهورية المؤقتة قد صرفته لشراء حلوى رمضان، بل وصورة شيك مموه قال واضعه على التويتر إنه صرف للجيش المصري من أجل القيام بالانقلاب، وتتوالى الحرب الإعلامية المخدرة والمشوشة للعقول، من أجل جذب الأنصار وإساءة سمعة الخصوم.
المتلقي لا يستطيع وحده فك شفرة المصالح المتداخلة والمعقدة، فكثير من المتلقين، بل معظمهم، يصدق ما يقرأ أو يشاهد، خافيا عنه الأجندة المبطنة. التعامل مع وسائل الإعلام الحديثة بفعالية يحتاج إلى تقوية مناعة المتلقي، وحثه على استخدام عقله، فليس كل ما يقع تحت ناظريه هو بالضرورة صحيحا أو قابلا للتصديق.
عيدكم مبارك وكل عام وأنتم بخير.
twitter: @rumaihi42
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق