عامر التميمي: تساقط الأعمدة

أعمدة مضيئة تساقطت الواحد تلو الآخر.. فقد خسرنا سليمان الفهد ثم سلمان المطوع وأنور النوري خلال فترة قصيرة رحمهم الله.. ولنستفد من تجاربهم.

فقدت الكويت خلال هذا الصيف ثلاثة من أعمدة التنوير والتربية والثقافة. فقدت قبل نهاية يونيو (حزيران) الماضي سليمان الفهد، الذي كان مثقفاً متنوعاً، تواصل مع كل محبي وصانعي الفن والثقافة في بلدان عربية مثل سوريا ومصر والمغرب وغيرها، ونشط كاتبا في الصحف المحلية ومجلة العربي، وتميّز بالسخرية اللاذعة. وقد وثق سليمان الفهد، الذي ظل مرابطا في الكويت خلال فترة الاحتلال العراقي البغيض، يوميات تلك الفترة الصعبة التي مرّت بها الكويت خلال شهور سبعة عجاف بين أغسطس (آب) 1990 وفبراير (شباط) 1991.

ولا شك أن حياة سليمان الفهد، ومنذ أن كان طالباً يافعاً، تميّزت بالحيوية والتفاعل الثقافي والاجتماعي. لكن ذلك الرجل المتميز والمتفائل واجه محناً حياتية مهمة، ولا بد أن تكون أهم تلك المحن فقدانه لابنه البكر نواف، الذي تم أسره من القوات العراقية الغازية بعد أن ضبط وهو يوزع منشورات المقاومة. وكما هو معلوم أن نظام صدام حسين لم يُبق أحدا من الأسرى الكويتيين الذين تجاوز عددهم الـ650 أسيرا، وجرى إعدامهم بدم بارد دون رحمة. وهل يمكن أن نتوقع الرحمة من الفاشيست؟

قبل أن يغادرنا شهر يوليو (تموز) الماضي، فقدنا سليمان المطوع، الذي ساهم، وبشكل مهم، وجاد في تطوير التعليم بعد أن تبوأ مهام التدريس وأصبح ناظرا لثانوية الشويخ، ثم ساهم في تطوير التدريب والتعليم من مواقع متعددة. لقد كان أبوحسام، ومنذ أن عرفته عندما كنت طالباً في ثانوية الشويخ، مهتماً بتعزيز قيم التنوير والتسامح من خلال مناهج التعليم. كذلك حاول سليمان أن يكرّس مفاهيم التنمية المستدامة بعد أن تقلّد مناصب في معاهد مهنية ومؤسسات للتعليم العالي، مثل المعهد العربي للتخطيط. كما أن المرحوم جرّب مهام الوزير، بعد أن أصبح وزيراً للتخطيط، ولكنه واجه المصاعب الإدارية والمعوقات السياسية التي دفعته للشعور بالمرارة، لعدم تمكّنه من تحقيق آماله وآمال الكثير من الكويتيين المهتمين بتطوير بلدهم بموجب المقاييس العصرية.

في بداية أغسطس (آب) الجاري، فقدنا رجلاً عاش حياته من أجل البناء التربوي. فقدنا أنور عبدالله النوري، الذي بدأ حياته المهنية مدرساً للعلوم في ثانوية الشويخ، بعد أن حصل على بكالوريوس العلوم من بريطانيا. وعمل أنور ملحقاً ثقافياً في بريطانيا، ثم عمل أميناً عاماً لجامعة الكويت بعد تأسيسها في عام 1996.

قادت المقادير أبومناور ليصبح وزيراً للتربية، وواجه المشكلات السياسية التي تعاني منها مؤسسات التعليم في الكويت، وتلمّس المعضلات المهمة التي تقيّد عملية التنمية البشرية في بلد تحكمه تقاليد غير عصرية، وتحدّ من كل التوجهات الهادفة لتحديث النظام التعليمي والارتقاء به واعتماد معايير صارمة تهدف إلى تخريج عناصر قادرة على مواجهة متطلبات واستحقاقات الحياة الاقتصادية. لقد كان أنور -رحمه الله- حاسما في مواقفه، ولم يتردد في خياراته الصعبة، عندما اكتشف مصاعب العمل وزيراً. تقدّم أبومناور باستقالته عندما كان وزيراً للصحة بعد أن اكتشف صعوبة الإصلاح في ظل نظام اجتماعي وسياسي يُؤْثر الواسطات والمحسوبيات، ويرفض التحديث والمعايير الموضوعية.

تساقط هؤلاء الثلاثة خلال فترة قصيرة، ولا بد أن الكويت قد فقدتهم بشخوصهم وقيمهم، إلا أننا نأمل أن نستفيد من تجاربهم ونتعلّم من مبادئهم.

عامر ذياب التميمي

ameraltameemi@gmail.com
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.