خالد الجنفاوي: الربيع العربي… هرم مقلوب

اعتقد ان معضلة التحول الديمقراطي في الشرق الاوسط تكمن في ان التحول السريع (الربيع العربي) اتى في غير اوانه, وفي غير سياقه المنطقي المتوقع. فالديمقراطية بالاضافة الى كونها اداة سياسية تاريخية تكرست في مجتمعات انسانية مختلفة ولكنها اتت بشكل تدريجي حيث تمقرط بداية الفرد والمجتمع في حياتهم اليومية, وحينئذ, اتت الديمقراطية السياسية كتحصيل حاصل للتغيرات الاجتماعية الديمقراطية. فالمشكلة الفعلية حول التحول الديمقراطي العربي تتمثل في انها بدأت من قمة الهرم وليس في قاعدته (الفرد والمجتمع), بل يمكن تصوير ما يحدث حاليا من اضطرابات وقلاقل في بلاد الربيع العربي بانها ديمقراطية الهرم المقلوب حيث رغب الديمقراطيون الجدد حيازة الرئاسة والحكم اولا وقبل كل شيء, وهنا يكمن الخطأ الفادح! فلا يوجد ديمقراطية فعلية بلا ديمقراطيين فعليين, ولا يمكن تصور ان يتحول المجتمع بين ليلة وضحاها الى مثال ناصع للديمقراطية ما دامت تحدث فيه سلوكيات وتصرفات فردية ومجتمعية يومية تتناقض مع التسامح وقبول الرأي الاخر, وقبول الحرية الشخصية وحمايتها من تدخل الاخرين. ديمقراطية الهرم المقلوب تمثل رجعية فكرية يحاول فيها احدهم كسب مزيد من القوة وتحقيق مزيد من السطوة على ابناء وطنه الاخرين عن طريق اقصائهم وكراهيتهم ديمقراطيا!
اضافة الى ذلك, لا يمكن في اي حال من الاحوال ان تتكرس الديمقراطية في المجتمع العربي التقليدي ما دام بعض “الديمقراطيين” يربطونها بسيطرتهم التجارية والمالية والفئوية والفكرية. فالديمقراطية الحقيقية هي وسيلة حياة يومية من المفترض ان يمارسها كل افراد الشعب, وليست حكرا على تجمع سياسي او اجتماعي او فئوي معين. على سبيل المثال, لا يوجد في الديمقراطية الحقيقية فرصة لسيطرة فئة فكرية او اجتماعية على اخرى. فكل اعضاء المجتمع شركاء في الديمقراطية, المتعلمون وغير المتعلمين, والفقراء والاغنياء. بمعنى اخر, الديمقراطية الحقيقية والعادلة تتعارض مع الاستعلاء الاجتماعي والسياسي وتتناقض مع كل اشكال الاقصائية والاحتكار.
ديمقراطية الهرم المقلوب تتمثل ايضا في محاولة تدمير الشريك الاخر في العملية الديمقراطية. فهدف المستفيدين من ديمقراطية الهرم المقلوب ليس تكريس مزيد من الحرية والمساواة وتكافؤ الفرص والتسامح, ولكنهم يسعون بكل ما يستطيعون من قوة السطوة والتنمر وقهر مناوئيهم ومعارضيهم في الرأي ومن يختلفون عنهم, دينيا ومذهبيا وطبقيا. وبالطبع, نهاية ديمقراطية الهرم المقلوب متوقعة: عنف متبادل وكراهية متبادلة وارهاب وتدمير متبادل لجميع المشاركين في هذا السيناريو الدموي ذاتي الدفع.
* كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.