هناك اشخاص وعائلات يبكون أعزاءً سافروا إلى دنيا الحق… وهناك دول وأمم تبكي شخصاً.
الكويت والكويتيون يبكون عبد الرحمن السميط…
المحتاجون الذين قدم لهم العون والإغاثة في كل دول العالم وخصوصا في افريقيا يبكون عبد الرحمن السميط…
الذين دخلوا الإسلام على يديه بمفهوم ديننا الحنيف السمح المتحضر العصري يبكون عبد الرحمن السميط…
القرى والمناطق التي ساعد على تأهيلها وتطويرها وبناء المشاريع فيها تبكي عبد الرحمن السميط ولسان كل شارع فيها أو مصنع أو بئر أو مزرعة أو مسجد أو مدرسة يقول «مر وهذا الاثر».
هل يفي الكلام والعزاء والأسى الفقيد الكبير حقه؟ ماذا نقول عن إنسان ادرك ان قوة الله فينا مرتبطة بقوتنا على العطاء والخير؟ بقدرتنا على ان نكون سفراء حقيقيين له؟ هل نبكيه لانه نور انطفأ لذاته وبقي مشعا في رسالات الخير والإنسانية والعطاء؟ لانه شمس كويتية اشرقت على مناطق مظلمة غربت وهي في عز وهجها؟ كل هذا صحيح لكننا نبكيه أكثر لأن ما قام به كان نموذجياً صادقاً حقيقياً… وغريباً عن كل الممارسات الخاطئة التي نراها اليوم تحدث باسم الدين وهي في الحقيقة أكثر ما يسيء إلى الدين.
عمل بصمت كبير لسنوات طويلة في مجالات الدعوة والإغاثة. لم ينشئ مؤسسات إعلامية ويمولها لتلميع ما يقوم به. لم ينشئ هيئات دعوية إغاثية في الشكل سياسية في المضمون. لم يبن امبراطوريات مالية لتمويل مشاريع المبطن منها أكثر من المعلن. لم يستخدم الشباب الذين ساعدهم وقوداً في قضايا سياسية وأحيانا انتحارية. كان يكرس كل جائزة مالية يحصل عليها وكل تبرع يقدمه الخيرون له في بناء وقف للتعليم والتدريب أو إيصال الماء والكهرباء إلى القرى الفقيرة… ثم يغمض عينيه على رضا الله جل جلاله فكل ما عمل من أجله كان لمرضاة الله قولاً وفعلاً.
لم يكن مجرد داعية… كان ظاهرة انى منها ما نراه الآن. وكما قلت سابقا، رحلة عطاء أكثر منها رحلة حياة ومسيرة إنسانية أكثر منها مسيرة إنسان، ولو أردنا أن نعيد ونجدد ما كتبناه وكتبه الآخرون عنه فلن تكفينا المجلدات، لكن على المعنيين في السلطة والحكومة تحديداً والنخب الاجتماعية المعروفة أن تتوقف عند جملة أمور اساسية:
أولاً، حظي الفقيد الكبير بإجماع، قل نظيره في الكويت، على تقديره ومحبته. شبان وشابات، نساء ورجال، سلطة ومعارضة، برلمان وحكومة. متدينون وليبراليون، وهذا الاجماع يمكن توظيفه لتعميمه بعد كل الانهيار الذي شهدناه في الفترة الأخيرة في الادبيات ولغة المخاطبة. ونتمنى هنا أن نراهن على قدرة الحكومة في توسيع دائرة الضوء التي أشعلها السميط لتشمل الأجيال التي انشغلت في السجالات ولم تستفد من تجربته… لكن الرهان على الحكومة غير مضمون.
ثانياً، ان أفضل تقدير للراحل الكبير يكون باستمرار مسيرته، فهو لم يبغ من الدنيا غير مرضاة الله. وقد اقترحت سابقا عندما اقعده المرض في محطة الرحيل اكمال تلك المسيرة بإعلان جائزة عالمية إنسانية سنوية باسم «عبد الرحمن السميط» تكون الاضخم على مستوى العالم وتخصص كلها للأعمال الخيرية سواء عبر مؤسسة الكويت للتقدم العلمي أو بمشاركة هيئات اقتصادية وخيرين رجال أعمال.
ثالثاً، ان مبادرة صاحب السمو الأمير باطلاق اسم الراحل الكبير على شارع مشكورة ومحمودة في ميزان الوفاء والذكرى، ويا ليت الحكومة تستكملها باقتراح اطلاق اسمه على ضاحية سكنية كبيرة من ضواحي الكويت خصوصا ان بعض من اطلقت اسماؤهم على هذه الضواحي، ومع الاحترام الكامل لهم، لم تكن أعمالهم نقطة في بحر أعمال السميط. نتمنى الرهان مجدداً مع الحكومة على ذلك رغم أن الرهانات السابقة كانت خاسرة خصوصا مع خطيئة رفض اطلاق أسماء شهداء الكويت على الشوارع والاكتفاء بشارع واحد باسم واحد.
ويا ابا صهيب، يا ايها الراحل الكبير النبيل، مهما قلنا ومهما فعلنا ومهما بكينا ومهما تأثرنا فلن نفيك حقك. عزاؤنا انك مرسوم على وجوه ابنائك. محفور في قلوبهم وضمائرهم، فهم كانوا «تمويلك» في حملات العون والخير… وعزاء الكويت انك رفعت رايتها الإنسانية خفاقة في زمن انتكست رايات كثير إما خوفا وإما شرودا عن دروب الحق… رحمك الله واسكنك فسيح جناته وألهم عائلتك الكبيرة الصبر والسلوان.
جاسم بودي
المصدر جريدة الراي
قم بكتابة اول تعليق