انشغل المجتمع الكويتي والخليجي والاسلامي وحتى العالمي بخبر وفاة الداعية العالمي د.عبدالرحمن السميط رحمه الله، ذلك الرجل الذي وضع للانسانية معنى بعد ان فقدها العالم سنوات طويلة، ففي الوقت الذي انشغل فيه الناس بجمع المال للثراء، هو انشغل ببناء الانسان ليأويه من العراء، وفي الوقت الذي اهتمت المؤسسات الكنسية في العالم بتنصير شعوب أفريقيا، اهتم د.عبدالرحمن السميط بشخصه وأسرته بالانسان الافريقي كآدمي.
أذكر أنه بعدما أصيب د.عبدالرحمن السميط بمرضه الأخير، استمرت الاتصالات والرسائل الهاتفية والواتساب والتويتر والفيس بوك والقنوات الاخبارية الاذاعية والتلفزيونية والديوانيات، كلها تتكلم عن هذا الشخص المخلص، وتدعو له صباح مساء. وظلت تلك الرسائل الهاتفية والواتساب تتناقل أخباره طول هذه الفترة، حتى يدور العام والرسالة نفسها تنتقل من شخص الى آخر، حتى تعود لمرسليها.. انه تاريخ يتكلم.
وهاهو الحال يتكرر ما بين مصدق، ومتفاجئ، لتستمر دورة الاتصالات في ذكر مناقبه والدعاء له.. فهو تاريخ يتكلم.
كيف لا.. وقد اجتمع الجميع على محبته وثنائه، من جميع الأطياف الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، الاسلاميون والليبراليون والمستقلون، الاخوان والسلف، الحضر والبدو، السنة والشيعة، الرجال والنساء.. انه د.عبدالرحمن السميط.. رجل أفريقيا.. «الرجل الأسطورة».. انه تاريخ يتكلم. وقد سبق ان كرمه سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حفظه الله، ومنحه «وسام الكويت ذو الوشاح من الدرجة الأولى»، وهو يستحق هذا التكريم من رأس البلاد، كما تم تكريمه من العديد من الشخصيات ومؤسسات المجتمع المدني، مثل اللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق أحكام الشريعة الاسلامية برفقة العم يوسف الحجي حفظه الله، والعم أحمد بزيع الياسين رحمه الله، وتم تكريمه أيضا من قبل الهيئة الخيرية الاسلامية العالمية، وجمعية الاصلاح الاجتماعي، وجمعية بيادر السلام، أما الجوائز الدولية فلا حصر لها، وأبرزها جائزة الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله.
نعم.. انه تاريخ يتكلم.
لقد عاش د.عبدالرحمن السميط حياته بين الأدغال والغابات، ونام في الأكواخ، وعبر الصحاري القفار، وخاض الوحل بأقدامه العارية، ولم يتأفف يوما مما هو فيه أو عليه، وكانت النتيجة دخول الملايين في الاسلام على يديه، وكفالة مئات الآلاف من الأيتام، وحفر عشرات الآلاف من الآبار، وبناء الآلاف من المساجد، والمئات من المدارس والعيادات والمراكز الطبية، وتكفل بتعليم العشرات من الأيتام في الدراسات العليا في الجامعات الأوروبية، فكان منهم الوزراء والسفراء، فيا له من انجاز عجزت عنه دول!
نعم.. انه تاريخ يتكلم.
لقد نشرت العديد من وسائل الاتصال بعض أعماله وانجازاته خلال 30 عاما من العطاء اللامحدود في أفريقيا، وقد التقيت به في البرنامج التلفزيوني «سفراء الخير» عبر 3 حلقات، ذكر فيها بعضا من انجازاته، ولن تكفيه عشرات الحلقات لذكر ذلك التاريخ الطويل، كما كانت لي معه 30 حلقة اذاعية خلال شهر رمضان المبارك في اذاعة البرنامج الثاني، تكلم فيها بأريحية عن بداياته ودراسته في المرقاب والصخلة التي لحقته الى المدرسة في موقف طريف، حتى أكمل دراسة الطب في جامعة بغداد بين البعثيين الذين يتابعونه حتى في المسجد، وقد تخصص في الأمراض الباطنية والجهاز الهضمي، ثم أكمل دراسته العليا في بريطانيا وكندا.
نعم.. انه تاريخ يتكلم.
ان الحديث عن د.عبدالرحمن السميط رحمه الله لا ينتهي، وما دونه وتحدث عنه لا يتجاوز %10 من عطائه وانجازاته، وما خفي من الانجاز أعظم، فقد ترك بينه وبين ربه خبايا كثيرة يستفرد بها يوم لا ينفع مال ولا بنون. فهو تاريخ يتكلم.
نعم.. لقد فقدت الكويت والعالم عامة وأفريقيا خاصة رجلا فريدا من نوعه، فريد عصره، رجل بأمة، قليل الكلام، كبير الانجاز، منكرا لذاته، أراده الله خالصا له، فأخلص لله عز وجل، فكان المرض الأخير تطهيرا لما علق من الخطايا والذنوب التي لا يخلو منها أحد، فرحمك الله يا أبا صهيب، يا من أحبك الجميع، فأنت تاريخ يتكلم.
لقد كثر محبوك، فكثر الدعاء لك يا أبا صهيب، يا من أخلصت العطاء، وقد آن لنا الوفاء، وأسأل الله عز وجل ان يسكنك فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء، وحسن أولئك رفيقا، وأن يخلف في أهلك وذويك الخير، اللهم آمين.
وخالص العزاء لأسرة د.عبدالرحمن السميط، ولنا فيهم الأمل في احياء ذكراه على أرض الواقع في أفريقيا عبر مشاريع جديدة، حتى تكون ذريته «تاريخ يتكلم».
د. عصام عبداللطيف الفليج
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق