يدخل عضو مجلس الأمة الكويتي قاعة المجلس حاملاً بشته ومخ فاضي..!!
فليس مطلوبا من العضو مثلا ان يكون ممتلئ المخ حاملا افكارا وعناوين لبرامج انتاجية وتنموية تساعد على تحريك عجلة التنمية المتوقفة او لنكن اكثر دقة المتعثرة جراء حكومات عاجزة وضعيفة ومجلس امة جل ما يشغل اعضائه هو الانتفاع الشخصاني وضمان العودة للكرسي..!!
والحقيقة لا يلام او يؤاخذ عضو الامة على خلو جعبته وذلك بسبب بسيط وجوهري ايضا ان الناظم الانتخابي. نظام فردي وليس نظاما حزبيا يتيح تداول السلطة كما هو الحال في البلدان ذات الانظمة الديموقراطية التي تتداول فيها السلطة. فتتنافس هناك الاحزاب على اساس برامج تنموية تطويرية. وتحسين الوضع الاجتماعي والمعيشي للمواطن. مع عدم تحميل جيب المواطن او خزينة الدولة مزيدا من الاعباء المالية الاضافية.
وعلى الرغم من قناعتي الراسخة من ان تربة الكويت ليست التربة المناسبة والصالحة لقيام احزاب سياسية الا انني وفي الوقت نفسه تراودني القناعة الراسخة بأن احد اسباب بل لعل جل الاسباب تكلس الديموقراطية الكويتية وتوقف نموها وكثرة ازماتها ناتج عن غياب النظام الحزبي. وذلك لا يعني قطعا غياب الحلول البديلة الناجحة وانتشال نظامنا الديموقراطي من ازماته وزوال التكلس حوله وتحريك الدماء المتخثرة عبر شرايينه. هذا اذا تلاقت النوايا وتلاقت القلوب على رأي واحد. فمثلا. من البدائل المجرية والناجحة الكتل البرلمانية. كأن تتلاقى مجموعة من النواب الذين يجمعهم خط سياسي واحد على انشاء تكتل برلماني. وهذا ما هو جار ومعمول به في داخل المجلس منذ نشأته. فالتكتلات البرلمانية احدى الوسائل الناجحة. لكن لا يكون تكوينها على اساس قبلي او طائفي او فئوي ولكن على اساس المشروع السياسي، وهذا البديل ما اذا وجد على اساس ما اسلفنا كان مفيدا للحكومة. فبدلا من ان تخاطب الحكومة (50) نائبا تخاطب كتلتان او ثلاث او اربع وقطعا هناك من الكتل التي تكون على خط الحكومة ومواليه او مقربة اليها، وفي الوقت ذاته يخفف نظام الكتل عن كاهل النواب العمل الفردي والمقترحات ذات النكهة الشعبوية.
وبما ان النائب لا يحمل في جعبته عادة اي مشروع سياسي او تنموي لذلك وجدنا كثيرا من النواب يسلكون مسالك غايتها ترضية الناخبين وضمان اصواتهم من ذلك مثلا تقديم الخدمات والواسطات. او تقديم مقترحات غايتها الدغدغة وتحذير العقول والتمني بالاماني الواهية المؤقتة او الظرفية. وبما ان الحكومات تأتي ضعيفة وخائفة من المساءلة السياسية غالباً ما رضخت لمقترحات النواب الكارثية المدغدغة للعواطف وزحفهم على سلطاتها. فمن هذه المقترحات الكارثية والمثقلة لمالية الدولة زيادة رواتب موظفي الدولة وزيادة العلاوات الاجتماعية وزيادة المعاشات التقاعدية. او التدخل في شؤون المؤسسات العسكرية. او التجنيس، وهذه كلها او التي على شاكلتها امور اختصاص اصيل للسلطة التنفيذية لا يصح للسلطة التشريعية فرض ارادتها عليها. ولكن ضعف الحكومة ورضوخها شجعت النواب للزحف على سلطاتها وفرض مقترحات ومشاريع ظاهرها تنفيع للمواطن وباطنها تنفيع للنائب..!!
لقد فصل الدستور اختصاص السلطتين الذي يقوم على اساس فصل السلطات مع تعاونها. كما منح الدستور حق النائب تقديم المقترحات والمشاريع ولكن على ألا تحمل اعباء اضافية على مالية الدولة ولعل مقترحات من قبيل زيادة الرواتب والعلاوات لموظفي الدولة والمتقاعدين تشكل اعباء اضافية مثقلة وقاتلة على مالية الدولة. بل مفضية للافلاس، فاذا ما حسبنا ان الباب الاول من ميزانية الدولة للعام المالي الحالي والذي هو باب الرواتب والمكافآت يقترب من سقف الـ«11» مليار دينار اي نحو الـ«40» مليار دولار ترى كم سيكون باب الرواتب في الميزانيات للسنوات القادمة؟ وهل هناك اموال كافية لتغطية ابواب الميزانية الاخرى ولاسيما ابواب الخدمات والمشاريع الاسكانية والبنية التحتية والصحة والتعليم.. الخ..؟!!
فلا ريب ان العجز وارد بل مؤكد مع تراجع الطلب على مبيعات النفط وارتفاع جنوني في الموازنة العامة.
ان الرواتب والعلاوات والمعاشات هي اختصاص اصيل للحكومة باعتبارها (الحكومة) بمثابة رب العمل فالعاملون في القطاع الحكومي يخضعون لقوانين الوظائف العامة ومن حق الحكومة وحدها تحديد الرواتب والعلاوات ومن حق الموظف ان يستمر او يترك الوظيفة ويتجه الى عمل آخر ان المطلوب من الحكومة تحرير الوظيفة الحكومية وتمكين الموظف من الانتقال الى جهات عمل اخرى كالانخراط في القطاع الخاص او تكوين مشروع خاص.
ان ميزانية الدولة السنوية تتضخم. فيما التوقعات تجزم تراجع الطلب على النفط. وهذا ما قد يفضي الى تآكل الاحتياطات المالية للدولة. بل الى الافلاس لا سمح الله.
ان السياسة المالية للدولة يجب ان تتغير ويجب ان توضع اسس جديدة على اساس تقليص المصاريف وتنويع الايرادات، فميزانية الدولة الكويتية تعادل موازنة ثلاث الى اربع دول تضاعف الدولة الكويتية مساحة وسكانا. وهذا ما يتطلب الى تكاتف الجهود وتوحيد الرؤى والسياسات لاسيما بين السلطتين. لقد توحدت مواقف السلطات في البلدان الاوروبية التي شارفت على الافلاس مثل اليونان واسبانيا وايطاليا على تقليص الميزانيات وتخفيض الرواتب وتسريح العاملين والموظفين غير الضروريين. وان شاء الله «ما نوصل الى هالمواصيل»، لكن الاحتياط للمستقبل واجب ومطلوب منا كمواطنين ومن الحكومة والمجلس بالضرورة والجزم.
حسن علي كرم
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق