خالد الجنفاوي: خطاباتهم ديمقراطية و تصرفاتهم استبدادية

“فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ” (المؤمنون 53). توجد مشكلة فعلية في “ديمقراطية الربيع العربي” وهي أن خطاباتها الديمقراطية تتبعها غالباً تصرفات إقصائية واستبدادية. فما إن ينجح أحد التيارات الفكرية والسياسية “ديمقراطياً” حتى يبدأ بإقصاء مناوئيه والاستبداد ضدهم. وبالطبع, عقلية الاستبداد والرجعية لن تقبل نتائج الديمقراطية إذا كانت ضدها, وسيحاول هذا النوع من بني البشر المستبدين والاقصائيين واللاديمقراطيين في حياتهم اليومية تحطيم مناويئهم ومن يختلفون عنهم. وإذا دل هذا التشويه المتعمد للوسائل الديمقراطية وإستعمالها كأسلحة فتاكة لتدمير الآخر المختلف على شيء فهو يدل على عدم ترسخ قبول الرأي الآخر والتسامح وقبول نتائج الديمقراطية في عقول بعض المستبدين ديمقراطياً !
المشكلة الأعمق تجذراً من استبداد ديمقراطية الربيع العربي تكمن في رواج سلوكيات وتصرفات الاستبداد والاقصائية وكره الآخر ورفض الاختلاف ومقاومة التغيرات الاجتماعية الطبيعية في الحياة اليومية. فيصعب مثلاً تصديق أن من كان في الأمس القريب استبدادياً وإقصائياً وكارهاً للآخر المختلف سيقتنع مباشرة باستحقاقات الديمقراطية الحقيقية (قبول الآخر والتعددية وتكريس المساواة والعدالة الاجتماعية والتسامح في المجتمع).  الديمقراطية الحقيقية تتطلب عقوداً أو قروناً من الزمن لكي تترسخ في الذهنية العامة للمجتمع.
إضافة إلى ذلك, يصعب تغيير الذهنية العامة في المجتمع بين ليلة ربيع وضحاها, فلا يمكن لأي أوصاف منمقة مثل “الربيع” و”الحرية” و “إرادة الأمة” وغيرها أن تغير مباشرة الاستبداد إلى تسامح ومدنية وتحضر ديمقراطي. بمعنى آخر, مهما تنمقت وتزينت ديمقراطية الربيع العربي بالشعارات الديمقراطية والاجتماعية والوطنية الرنانة فواقع الحال يقول يستحيل بسرعة دمقرطة من يرفضون ممارسة الديمقراطية في حياتهم اليومية وفي سلوكياتهم وتصرفاتهم الشخصية.
 إذا صلح الفرد صلح المجتمع, وإذا تمقرط عضو المجتمع تمقرطت بيئته الاجتماعية, وإذا استبد الفرد في حياته اليومية طغت الاستبدادية في بيئته الاجتماعية, وإذا استعمل أحدهم البطش كوسيلته المفضلة للتعامل مع الاختلاف, ساد البطش والقهر وجبروت القوة في المجتمع. فلا يمكن لأي ديمقراطية مهما كان نوعها أو نكهتها أو وسائلها الخاصة أن تكرس التسامح وقبول التعددية وقبول الرأي والرأي الآخر في المجتمع إذا فُرضت فرضاً عليه. فرحلة الألف ميل الديمقراطية تبدأ بخطوة ديمقراطية شخصية وطوعية.
كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.