خليل حيدر: حركة إسلامية مسالمة علنية.. ديموقراطية

لا احد يعرف كيف سينتهي الصراع الحالي بين «الاخوان» والسلطة المصرية بعد قرارات يوليو 2013. ولكن ما انا واثق منه للاسف، ان الجماعة ستبقى على حالها تجتر احزانها، وتضيف «محنة 2013» الى المحن الاخرى التي مرت بها في زمن الملك فاروق والرئيس عبدالناصر وانقلاب الرئيس انور السادات عليهم.
هل يمكن للواقعين المصري والعربي، ان يلدا جماعة دينية علنية، سلمية، ديموقراطية، كما تمنى احد اخوان «غزة»، د.عبدالله محمد أبوعزة عام 1989، بعد امتداد عضويته في حركة الاخوان نحو ربع قرن؟! يقول في كتابه متألما: «في سنة 1952 سعيت للانتساب الى الاخوان المسلمين وانا أَتوهج عاطفة، وأَندفع حماسة، تحدوني آمال كبيرة لهذه الامة الاسلامية من خلال هذه الجماعة. وبعد تجربة استمرت اكثر من عشرين سنة، وجدتني ولا همّ لي الا سلخ نفسي من عضوية الجماعة والابتعاد عن كل الظروف التي يمكن ان تربطني بها».
لماذا راودت د.أبوعزة هذه الهواجس بعد ان عمل مع التنظيم الفلسطيني في غزة اولا، ثم مع المكتب التنفيذي للاخوان في البلاد العربية، وعرف كل اسرار عمل الاخوان تقريبا؟.
«لم تكن هذه الرغبة في الابتعاد ناتجة عن خوف، فقد جاء انسحابي اواخر سنة 1972 في فترة رخاء، حيث ارتفع عن رقاب الاخوان سيف المحنة وبدأوا يستردون انفاسهم. وانما كانت من جراء ما عرفته من ضعف الجماعة وعجزها وتحجرها واستحالة قدرتها على تجديد نفسها». (مع الحركة الاسلامية، الكويت – دار القلم، 1986، ص7).
وما لبث ان استقال د.أبوعزة من المكتب التنفيذي للاخوان برمته بسبب «الخلل الذي اعتور بنية حركة الاخوان المسلمين ولازمها، والذي كان من اهم مظاهره اختلاف المفاهيم من قطر الى قطر، بل وعدم وجود مفهوم موحد، أو مفاهيم موحدة بين افراد الاخوان في داخل القطر الواحد» ولكن ما هذه المفاهيم التي ألحت بهذه القوة على ضمير د.أبوعزة؟
اربعة مفاهيم، أو بالاصح قضايا، رأى ان موقف الاخوان ليس واضحا فيها آنذاك، عام 1968 في عمان بالاردن، وهي علاقة المسلمين بغير المسلمين، الاختيار بين الدعوة السلمية واللجوء الى العنف، مفهوم ومنطلق الاختيار بين السرية والعلنية، واخيرا «مفهوم الشورى في الحركة الاسلامية وفي نظام الحكم الاسلامي». (ص166).
كان د.عبدالله أبوعزة بين من شاركوا في الكتاب الناقد للحركة الاسلامية الذي حرره وقدم له د.عبدالله النفيسي سنة 1989، وكتب ورقة لاصلاح حركة الاخوان، أو بالاخرى لبناء حركة اسلامية جديدة بعنوان «نحو حركة اسلامية علنية وسلمية». في هذا البحث الذي يقع في قرابة 33 صفحة، انتقد د.أبوعزة الحركة الاسلامية بشكل عام. وكان من مآخذه عليها ان الاسلاميين يميلون في الغالب الى التعميم، و«الى الحديث عن الاسلام كأمر غيبي لا يرتبط بواقع حياتي محدد لأناس ولمجتمع يعيشون بين ظهرانيه». واضاف يقول: «انهم يعشقون التجريد، الاسلام المجرد. وهكذا تصبح قضايا المجتمع والوطن ومشكلاته خارجة عن الموضوع».
وقال «يغلب على عمل الحركات الاسلامية انه ارتجالي يفتقر الى التخطيط المسبق المعتمد على دراسات موضوعية تلتزم اصول البحث العلمي».
ولاحظ ناقدا، «ميل الاسلاميين الى تقليد الانماط التراثية التي لا يلزمنا بها القرآن والسنة، ولا تلبي احتياجات حياتنا المعاصرة». وفوق هذا، اضاف، «نجدهم يتقيدون بتراث جديد هو تراث مؤسسي الحركة وفكرهم والانماط التنظيمية والحركية التي اختاروها». (الحركة الاسلامية، د.النفيسي، ص184).
نحن لم نجب حتى الآن عن احتمالات ظهور حركة اسلامية سلمية، علنية، ديموقراطية.. وكيفية تحقيق هذه الفكرة! ولا شك ان تطوير جماعة كهذه بحاجة الى فكر مستقل ورؤى جديدة وفهم عميق للعصر والقرن الذي نحن فيه. وقد ادخل الاخوان العديد من الاصلاحات والافكار الجديدة على حركتهم في دول عديدة، فباتوا الى جانب الاسلام يؤكدون «الايمان بالديموقراطية». والارجح انهم يقصدون الانتخابات الحرة أو ربما الشورى الملزمة أو بعض اشكال «ولاية مجلس فقهاء الاخوان»، وبقي ان يقنعونا بأنهم لا يؤمنون باستخدام العنف والاكراه في السياسة، وبأنهم يؤمنون ايمانا مطلقا بالعلنية والشفافية!.

خليل علي حيدر
المصدر جريدة الوطن

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.