هديل الحويل: اللعب مع الصغار

أدخل إلى صالات اللعب ومراكز الترفيه في بلاد غربية, فأجدها تعج بالآباء والأمهات والاجداد والجدات مع أولادهم, يشاركونهم إجازاتهم وهواياتهم ونشاطاتهم, ويشرفون على لعبهم ويحذرون لهم, وعند أي فرصة يعلمونهم شيئا جديدا, والأهم من هذا كله يمرحون معهم, ويقضون وقتا ممتعا, هم يتعبون ويلهثون وراء صغارهم, لكنك تجد معظمهم يدورون في دائرة عنوان حلقتها المتعة مع الاستفادة, فيخرج الطفل منهم متعبا ومشبعا من اللعب بعقل ممتلئ وروح مشبعة وجسد يتوق إلى الراحة.
وأدخل إلى مراكز الترفيه في بلدي, فأجد الذي يشرف على لعب الأطفال هم المربيات, ومن ينام الأطفال على كتفه هم المربيات, ومن يقطع الأكل بيديه الحرتين للأطفال هم المربيات, ومن يرافق الأطفال إلى الحمامات, ذهابا وإيابا, هم المربيات, ومن يشارك الطفل لعبه هم المربيات, والكثير من الأمهات والآباء اختار الاستسلام لكرسي في مقهى, والقليل منهم اختار الاختيار الأصعب وهومغادرة المكان عن بكرة أبيه والذهاب في شأنه تاركا الأطفال مع مربيتهم وجهاز تلفون.
أنا أرى أن مهارة اللعب مع الأطفال هي في حقيقة الأمر ثقافة, ولأنها ثقافة تنمى فإنك تجد أطفال الغرب على مهارة عالية في اللعب المسالم وغير العنيف, والأخطر أنهم على قدر لا يضاهى من اللعب المنظم, حتى أنك تستغرب وأنت تجد أمام كل لعبة طابورا من قامات صغيرة ورؤوس أصغر امتهرت الانتظار وانتعلت الصبر أدبا وثقافة, والسبب في هذا يعود لإشراف آبائهم وأمهاتهم لهم في المقام الأول, فيبدأ الطفل منهم سنواته الأولى مع حس عال بالمراقبة من قبل أم أو أب يطمح لإثارة إعجابهم ويسعى إلى إرضائهم, ثم يتحول كل من النظام والترتيب والنظافة والمسالمة إلى عادة وأمر مسلم به, فيكون الأب والأم هنا قد حققا غايتهما وبلغا مبتغاهما من تنشئة إنسان مسؤول عن نفسه ومن حوله والمكان الذي هو فيه.
ولا يعيب مجتمعنا أن يكون مترفا ماديا, أو أن يكون أرباب البيوت على مقدرة من الاستعانة بمربيات يعينونهم على ما تستلزمه إدارة البيوت من أعمال لا تنتهي, ولكن يعيب كل أب قبل أي أم أن يؤدوا دورهم كاملاً في الدواوين, ووراء مكاتب وظائفهم, وفي المجالس العائلية, وفي المقاهي والمحلات وبصحبة الأصدقاء, وينسون ممارسة دورهم الأهم وهوأن يكونوا جزءا لا يتجزأ من كل تجربة يخوض فيها أطفالهم.
وتباعا لوجود الآباء والأمهات في أماكن لعب الأطفال في البلاد الغربية تجد أماكن اللعب نظيفة ومرتبة, وذلك لأن كل أب أو أم يعلم جيدا أنهم يترك المكان من بعدهم لأب وأم آخرين لم يأتوا إلا لإمتاع صغارهم والاستمتاع بهم, فيكون كل منهم قد دفع من حر ماله ضرائب من شأنها أن تؤمن لهم أساسيات الحفاظ على المكان, ودفع من حر وقته وجل جهده حتى يقضي ساعات مرح محدودة مع أطفاله في أيامه المزدحمة, يعلمهم ويوجههم وهويلعب معهم ويستمتع بهم, والكل من آباء وأمهات يجتمع على غاية واحدة تحت ظل سلوك اجتماعي واحد مسؤول.
بينما تجد أماكن اللعب في بلدي تعمها الفوضى والوساخة والأمراض, وتزدحم ببكاء الأطفال وصراخ الصغار, ويلهث الأطفال فيها لسبق بعضهم بعضاً للعبة لا يتركها لغيره مادام قد أمسك بها, ولا يوجد لديهم لا رقيب ولا حسيب إلا مربيات آتين من بلدانهن لا لأن يصلحن من شأن أطفال غيرهن, ولا لينهضن بثقافة مجتمع, ولا لينعمن بنظافة مكان لم يدفعن فيه من أموالهن شيئا, ولكن آتين لأن يعملن بما يطلب منهم ويجنين المال الذي من خلاله يقوم أحدهم بتربية أبنائهن.
مع العلم أن المربيات في أماكن اللعب في الكويت تجدهن ينتمين إلى بلدان متنوعة وثقافات متفرقة ومبادئ تختلف عن بعضها بعضاً اختلاف الظلمة عن النور, ولغات وآداب وسلوك لا تمكن إحداهن من السيطرة على حسن أدب طفل ولا سير سلوكه مهما سعت… هذا إن سعت.

h_alhuwail@yahoo.com

المصدر جريدة السياسة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.