أما الوطن فهو الكويت الغالية التي سكنت الوجدان، فغدت توءم الروح، وأما الرحلة فهي رحلة العمل الدبلوماسي خدمة لهذا الوطن، والتي امتدت على مدى أكثر من ثمانية وثلاثين عاما غطت أرجاء الأرض، ابتداء من مدينة جدة ثم الرياض، أثينا، قبرص، الجزائر، بلغاريا، فنزويلا، اليمن، الأردن، هولندا، وكذلك سفيراً محالاً لدى كل من جمهورية النيجر، البرتغال، كولومبيا، البيرو، الإكوادور، مالدوفيا، وأخيرا جمهورية البوسنة والهرسك، إضافة إلى الكثير من المهمات الرسمية في عدد من دول العالم.
وخلال هذه الرحلة اختزل العقل الكثير من الذكريات التي يطغى بعضها على بعض، فلا أدري من أين أبدأ، وبالتأكيد لن يكفيها مقال واحد، وهناك فكرة تراودني منذ سنوات بتدوين ما يمكن تدوينه من تلك الذكريات في كتيب صغير أتمنى أن يرى النور قريباً، خاصة أن هناك إخوة وأخوات أعزاء، يدفعون لذلك، بل إن الأخ العزيز سامي الإبراهيم “أبولؤي” وكيل وزارة الكهرباء الأسبق مصرّ على أن يقوم مشكوراً بطباعة ذلك الكتيب.
من أهم تلك الذكريات التي أعتز وأفخر بها قيامي بالمشاركة في غسل الكعبة الشريفة والصلاة في أركانها الأربعة من الداخل بلحظات فيها الكثير من الخشوع والرهبة والإحساس العميق بالقرب من رب العالمين، خاصة ونحن ضيوف فى بيته العتيق.
بعد قضاء حوالي ثلاث سنوات في السفارة بمدينة جدة نقلت إلى مدينة الرياض مديرا لمكتب دولة الكويت التجاري هناك، وذلك قبل نقل السفارات، وقد قمت بتأسيس السفارة الكويتية الحالية في مدينة الرياض.
من اللقاءات التي يزدحم بها العقل لقاء سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح طيب الله ثراه، وذلك بعد التحرير، دخلت على سموه رحمه الله في مكتبه المتواضع في قصر بيان، طلب مني أن أسحب كرسياً كان إلى جانب مكتبه، ثم دنا رحمه الله إلى أن أصبح لا يفصلني عنه إلا مسافة قصيرة، ثم قال بلهجته الكويتية المحببة وهو مطرق الرأس “سعادة السفير أبي تقول لي شنهو اللي صار بالجزائر أثناء غزو واحتلال الكويت”، بدأت بسرد الأحداث كما عشتها خلال شهور الاحتلال السبعة، وما قاسينا من ظلم وتجنٍّ، كان هناك سباق محموم بين الأحزاب الجزائرية في دعم النظام العراقي في عدوانه على دولة الكويت، وذلك رغبة منها في إثبات وجودها على الساحة الجزائرية والعربية، إضافة إلى مكاسب أخرى، وقد كانت الأحزاب الإسلامية أشدها قسوة علينا، أما الإعلام فكان انحيازه واضحا ويطغى عليه الجانب المادي، فقد استطاع النظام العراقي وعلى مدى سنوات السيطرة على الإعلام بكل أطيافه.
أما الحكومة الجزائرية فقد كانت تسعى جاهدة للعب دور الوسيط في قضية الاحتلال؛ مع رغبة في أن يستمر ذلك الاحتلال لأطول مدة ممكنة طالما كانت أسعار النفط مرتفعة، والتي أدت إلى تحقيق فائض مالي سيؤدي إلى تمكن الجزائر من تسديد ديونها، كان سموه رحمه الله ينصت بعمق، وبعد أن انتهيت من السرد قال سموه “حوبة الكويت إن شاء الله ما راح تتعدى كل من وقف ضدها وربك ما يطق بعصا، كفيت ووفيت”، كانت هذه الكلمات أوسمة وأنواطاً أعتز وأفخر بها.
ومادمنا في الجزائر فلا بأس من ذكر هذه الحادثة ففي الأسابيع الأولى من الاحتلال الغاشم قام سمو الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله السالم بجولة بدول شمال إفريقيا، وذلك بهدف حشد الدعم لقضية الكويت العادلة ومن ضمنها جمهورية الجزائر، وعليه فقد تلقيت اتصالا من الأخ العزيز عبداللطيف البحر “على ما أذكر” وذلك من مدينة الرباط، حيث كان يوجد سمو الشيخ سعد في بداية جولته وقد طلب الأخ العزيز وبناء على أوامر من سمو الأمير الوالد رحمه الله، بأن تتم مراسم الاستقبال حسب المراسم المعتادة في استقبال رؤساء الدول؛ مع رفع العلم الكويتي وعزف السلام الوطني، وبناء على ذلك قمت بزيارة إلى السيد العربي بالخير أمين عام رئاسة الجمهورية في الجزائر، وقد أكد أنه سيتم ذلك إضافة إلى استعراض لحرس الشرف والاستضافة في القصر الجمهوري “قصر الميثاق” كما قمنا بترتيب مظاهرة صغيرة في مدخل المطار، حيث رفعت الجموع العلم الكويتي، وهذا ما لفت انتباه سموه وأثارت شجونه رحمه الله، وكم يثير عجبي الآن أن بعض أعضاء مجلس الأمة وممثلي الشعب وهم يوجهون الإهانة والاحتقار للعلم والسلام الوطني، ألم يسمع سعادته عن غزوة خيبر عندما قال رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام بما معناه “غدا سأعطي الراية لرجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله” فبات الجميع وكل منهم يمني النفس بأن يكون هو ذلك الرجل، حتى قام عليه السلام بتسليم الراية لسيدنا علي كرم الله وجهه، ونسأل الأعضاء الكرام: أليس رسول الله أسوة حسنة لنا.
حفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.
***
خدعوك فقالوا: نحن في خدمة الشعب الكويتي، نبشر الشعب الكويتي، نعمل من أجل الشعب الكويتي. ونقول: لك الله أيها الشعب الكويتي فكم من الخطايا ترتكب باسمك
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق