من تسنى له قراءة المقالة الأخيرة للحدسي والقيادي في التنظيم العالمي للإخوان المسلمين السيد الزميل مبارك الدويلة والمنشورة في جريدة القبس تحت عنوان «اجتثاث الإخوان» لا ريب انه قد شعر بحجم الألم الذي يعتصر قلب الزميل جراء النكبة التي أصابت تنظيم الإخوان في مصر وفي الخليج وفي غيرها من الأمصار العربية الربيعية والخريفية والشتوية والصيفية، فالحكم في البلدان العربية بات يصنف تصنيف الفصول الأربعة.
فهو (أي الزميل) يبدي قلقه من محاولة البعض في الكويت وفي الأمصار الخليجية ما أسماه «اجتثاث الإخوان من المجتمع ومن كل مؤسساته» ويضيف «هكذا بكل صراحة اجتثاث، يعني قطعه من عرجه»، وأنا هنا أطمئن الزميل الحدسي الإخواني ألا اجتثاث ولا يحزنون، فالاجتثاث كلمة تقال ورغبة تعتمل قلوب الخصوم، لكن واقع الحال لن يحدث ولا هو حادث، ولو كان ممكناً حدوثه لاجتث البعث في العراق، فرغم قانون مسمى اجتثاث البعث ورغم مادة منصوصة في الدستور العراقي حول حرمان أزلام النظام السابق والبعثيين من مزاولة العمل السياسي لكن الآن ثلاثة ارباع اعضاء البرلمان العراقي ومثلهم في الاجهزة الحكومية والجيش والشرطة من فلول النظام السابق من البعثيين المعتقين اي ان النظام البعثي السابق سقط رأسه ولكن الهيكل بقي سليما لم يطله التطهير او الاجتثاث والحق أنه اذا كانت تصفية الاخوان من الاجهزة الحكومية امراً ممكناً حدوثه (وهذا امر مستبعد حدوثه على الاقل في الكويت) ولكن اجتثاث الفكر والعقيدة هو ما لا يمكن حدوثه الا من قبل الشخص نفسه، فالفكر ليس دشداشة انت ترتديها فتنزعها فورا اذا خالفت ذوقك فالفكر او العقيدة ان كانت عقيدة دينية او عقيدة سياسية او فلسفية او اجتماعية اذا ترسخت في وعي الانسان وفي وجدانه لا تنتزع الا اذا تصادمت مع عقيدة اخرى تخالفها فهناك على سبيل المثال اناس عرفناهم وجدانهم ملحدين لكنهم انقلبوا من الالحاد الى الايمان وترسخ ايمانهم فلا يبرحون المساجد او يهملون فريضة، واما هؤلاء الذين عقيدتهم على طريف فهؤلاء مثل الذباب على قطعة حلوى، فما اكثر المنافقين والانتهازيين والمتلونين والسقطة الذين تجدهم على كل مائدة!!
ان الحكاية ليست حكاية اجتثاث اخوان او غير اخوان وانما هناك خطأ مزدوج من الانظمة التي سمحت للدينيين بالتغلغل في الاجهزة الحكومية وفي مفاصل الدولة، وخطأ من الدينيين الذين مزجوا الدين بالسياسة فمزج او خلط الدين بالسياسة هو اكبر خطيئة ارتكبها الدينيون بحق الدين وبحق انفسهم وبحق الدولة والمجتمع وبذلك قد خسروا الدين وربحوا الدنيا ولكن ربح بطعم الخسار فلقد كثر المتزلفون والمنافقون والانتهازيون والمتلونون والمدعون وكثرت الفتن والشقاق والصراع وبث الكراهية والمنازعات في المجتمع الواحد بل في البيت الواحد، حتى لقد بات الواحد منا يشق عليه التفريق بين الصادق في دينه من الكاذب المتزلف».
واكبر خطيئة ارتكبها الاخوان المسلمون عندما انتقلوا من العمل الدعوي الى العمل التجاري ثم السياسي ولو كانوا صادقين انقياء مؤمنين بعقيدتهم الدينية لما تخلوا عن العمل الدعوي والخيري للقفز الى السلطة او كرسي الحكم، وها هم اليوم يجنون ما زرعوه بايديهم، ان التنظيم العالمي للاخوان هو اشبه او قريب الشبه بالتنظيم العالمي للماسونية، فالماسونيون يتغلغلون في كافة مفاصل الدول افقيا ورأسيا سيما في التجارة والسياسة والاعلام، والاخوان المسلمون نجحوا في التغلغل في كافة مفاصل الدولة الكويتية عندما تهيأت لهم الفرص بعدما قربتهم الحكومة وفتحت لهم كافة ابواب الدولة وفي كافة المجالات في السياسة (وزراء ونواب واعضاء بلدي) وفي التجارة (بنوك اسلامية وشركات ووكالات وحتى بقاليات) والجمعيات الثقافية ومؤسسات المجتمع المدني والنقابات. واذا كان التيار السلفي دخل في المنافسة وصارت البلاد مقسمة بين الاخوان والسلف لكان اجتثاث الاخوان – اذا جاز التعبير واذا صدقت المقولات – وبقاء السلف خارجاً فلا طبنا ولا غدا الشر لأن ذلك معناه انقلاب على الاخوان وتقوية السلف وما تفرع منه من تيارات متشددة ومتزمتة.
من حسنات الدولة الكويتية ان لها دستوراً وهو دستور صيغ للدولة المدنية ومن سيئات الدولة الكويتية ان الدستور وضع على جنب وترك للتيارات الدينية المتشددة العبث بمفاصل الدولة والسعي لاسلمة الدولة واسلمة المجتمع وفق مفهوم هذه التيارات الامر الذي ضيعنا وضاعت مشيتنا فلا الكويت تمكست بالدستور وحافظت على مدنية الدولة، ولا طالت الدولة الدينية، فالخطأ والخطيئة من الدولة، وعلى الدولة ان تصحح اخطاءها وخطاياها وليفهم المتديون حدود تدينهم..
ويبقى.. ما لله لله.. وما لقيصر لقيصر..
حسن علي كرم
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق