تستطيع أن تقيس مستوى تحضر الشعوب ونموها الأخلاقي وتطورها الإنساني من خلال مراقبتك لأسلوبها في التعاطي مع الأطفال فيها, فتقيس كيف يحترم هذا المجتمع الطفل, وكيف يعطيه حقه, وكيف يأخذ له حقه, وكيف يحفظ له حقه, وكيف يدرس الطفل في المجتمع, وكيف يعالج, وكيف يتم الترفيه عنه, وكيف يتم التنويه إليه, فتستنتج من بعد هذا ما من شأنه أن يضعك أمام صورة توضيحية للبلد الذي أنت مهتم به?
لكن إذا أردت أن تقف أمام خريطة مفصلة تضعك على طريق تحليلي لأخلاق وسلوك وآداب شعب من الشعوب, فما عليك إلا أن تقضي في شوارعهم بضع ساعات خلف مقود سيارة لتكتشف موقع هذا البلد على خريطة التحضر والرقي. وعلى هذا الأساس وبعد كل مرة أقضي فيها إجازات طويلة خارج الكويت, أعود خلف مقود سيارتي في الكويت, وبعد أقل من عشر دقائق لأسأل نفسي السؤال ذاته: أين هي الكويت من على خريطة تحضر من سكنها?
في مونتريال, إذا أرادت عربة أن تصلح مسارها ودخلت على حارتك بعد أن ضلت حارتها, فإنه لزام عليك “قانونا” أن تسمح لها بأن تتعداك لتقف قبلك وإلا تمت مخالفتك أنت بحجة تعطيل سير الطريق, وهذا القانون سنوه وأقروه إيمانا بحسن أدب الناس في المقام الأول واعتقادا بسلامة نيتهم عن الشطط في الطريق أو التجاوز بغرض الانتفاع الذاتي, فكان أن رأت الحكومة أن من اضطر الى تصحيح مساره كان من الأولى علينا مساعدته حتى نحفظ للطريق ومن عليها حقهما.
وفي الكويت, إذا ما رمشت عيناي لمدة أطول من سابقتها, فتحتهما لأجد ثلاث عربات قد ارتمت على عربتي وتجاوزتني بغرض إثبات الشطارة وبرهنة الفرعنة وإدراك اللحظة, ففي الكويت, المتران ما بين سيارة وأخرى يجسدان فرصة وجب على أغلب السواق اقتناصها, أو هيروين لا يملك المدمن عليه أن يقاومه ولو من بعيد, فتكون أنت الغبي, أو الأبله, أو الأخرق إذا ما التزمت بحارتك في الشارع ولم ترقص بعربتك أو تترنح بها يمينا وشمالا.
وفي أميركا على كل ولاياتها ومقاطعاتها, إشارة “قف” تعني قف من دون زيادة على المعنى أو نقصان, فلا تعني أبطئ من سيرك, ولا توخ الحذر, ولا التفت, وإنما تعني قف بعربتك ليلا أو نهارا, سواء كان الشارع خاليا أو مكتظا, وسواء كنت تحت المراقبة من السلطات أو لا, فتجد العربات تقف في شوارع خالية ومقطوعة من الناس وتستغرب شدة الالتزام, وأدب احترام القانون, ومهارة الاهتمام بالغير.
أما في الكويت, فلا تقف العربات أبدا إلا لإشارات حمراء اكتظت فيها أجهزة المراقبة وكثرت فيها كاميرات التصوير, وإن وجدت تلك الإشارة التي لا مراقبة فيها ولا تسجيل, كان أن عزم للأسف نصف من فيها على مخالفتها فرحين بانتصارهم على السلطة, الأمر الذي من الممكن أن لا يكتفي بإنهاء حياتهم وإنما حياة من شاركوهم الطريق من أبرياء.
h_alhuwail@yahoo.com
قم بكتابة اول تعليق