خالد الجنفاوي: الربيع العربي نهاية الاستقرار الاجتماعي

اعتقد ان ما يُطلق عليه الربيع العربي رسخ “هُوة” في المجتمع العربي التقليدي. فبعد اطلالة هذا الكابوس التاريخي المرعب اصبح من الصعب بعد الان تصور تكرس وحدة وطنية واجتماعية راسخة في تلك الدول والمجتمعات التي عانت المر من هولات وفوضوية الربيع العربي. فيصعب, مثلا, تخيل ان تُردم الهُوة الثقافية والفكرية والاجتماعية والسياسية بين اناس بدأوا يختلفون بشكل اساسي حول قيمهم واهدافهم وتطلعاتهم الوطنية الرئيسية. فبالاضافة الى ترسيخ هذا الوضع التاريخي المعقد للفوضى ولغلبة الانانية بين الاعضاء السابقين في المجتمع الوطني الواحد, فربما سيؤدي اختلافهم الاساسي حول قيمهم ومبادئهم واهدافهم الاجتماعية والوطنية الى تفكك لحمتهم الوطنية والى تدهور مجتمعهم واندثاره. ولعل اقسى نتائج الربيع العربي تتمثل في نهاية الاستقرار الاجتماعي النسبي وشيوع الاضطرابات الاجتماعية المتواصلة.
فحين يفقد الانسان احساسه بالامن الاجتماعي في بيئته الوطنية فسيفقد تباعا قدرته على الانجاز او على عيش حياة يومية مستقرة. فاحدى مصائب الربيع العربي انه رسخ شعورا لدى البعض بانه سيصعب عليهم من الان فصاعدا تحقيق سعادتهم الشخصية او تمكنهم من ربط امالهم وتطلعاتهم الايجابية بما يمكن لهم تحقيقه في مجتمعهم الوطني. فاذا بدات تتدهور العلاقات الاجتماعية النمطية بين اعضاء المجتمع الوطني بسب غلبة الانانية والاقصاء المتبادل, يصعب تصور نجاح الانسان في عيش حياة انسانية متكاملة او مستقرة.
بل لا اعتقد انني ابالغ هنا اذا اكدت ان النتيجة الحتمية لفوضوية الربيع العربي ستتمثل في نهاية الاستقرار الاجتماعي واندثار الاحساس بالامن والاستقرار النفسي. فالهوة التي تحدثت عنها في بداية المقالة تتمثل ايضا في الاندثار التدريجي للمبادئ والعناصر والمقومات المؤسسة للمجتمع المستقر: فبدلا من وجود شمولية مجتمعية تحوي مختلف التجارب الانسانية الوطنية, يبرز في سياق الربيع العربي نفور شخصاني متبادل بين من كانوا في الامس القريب اعضاء مجتمع واحد يتشاركون في التجارب اليومية نفسها.
وبالطبع, لا اعتقد ان الربيع العربي مؤامرة غربية ضد بعض المجتمعات العربية التقليدية, بل هو بشكل او باخر تحصيل حاصل لتراكمات تاريخية واجتماعية سلبية. فالهوة الاجتماعية التي رسخها الربيع العربي في الذهن العام ليست مستوردة من الخارج وليست ثمرة مؤامرة كونية على المجتمع الوطني ! بل هي هوة موجودة من الاساس في دهاليز بعض الشخصيات العربية النمطية ! وحين يتدحرج حجر من على جبل شاهق سيصعب ايقافه بالتمنيات والامال والشعارات الوهمية.

khaledaljenfawi@yahoo.com
كاتب كويتي

المصدر جريدة السياسة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.