عبدالله خلف: وقد يتزيّا بالهوى غير أهله

سيف الدولة الحمداني، هو علي بن عبدالله عاش من 303 إلى 356 هجرية، الموافق من 915 إلى 967م.. أكبر ملوك الحمدانيين، ولد في ميا فارقين من المدن القديمة في سورية، ثم أتبعت لتركيا وهي شمال شرقي ديار بكر وتُعرف اليوم بسليقان وكانت ملتقى الجيوش الفارسية والرومانية.. ثم الجيوش الإسلامية والصليبية لموقعها الجغرافي.
كان المتنبي يرافق سيف الدولة في حروبه وغزواته لبلاد الروم، حفاظاً على الثغور الإسلامية البرية والبحرية.
دخل المتنبي على سيف الدولة بعد انتصاره وظفره بحصن برزويه وكان قد جلس تحت فازة أو مظلة من الديباج عليها صور ملوك الروم وصورة أسد يفترس وعلاً، وذلك في سنة 337هـ.
وكان سيف الدولة قد قدم انطاكية وأبو العشائر فيها فقدم المتنبي إليه وأثنى عليه، وعرفه منزلته من الشعر والأدب، واشترط المتنبي على سيف الدولة في أول اتصال به، أنه لا ينشده إلا وهو جالس، ولا يكلف بتقبيل الأرض بين يديه، فدخل سيف الدولة تحت اشتراطه، وانقطع المتنبي إليه لا يمدح أحداً سواه وكان جُملة ما قاله فيه يُعادل ثلث شعره وهي عيون قصائده ومدائحه.
والغريب أن ولادة سيف الدولة كانت في السنة التي ولد فيها المتنبي ولكن المتنبي مات قبله بسنتين عندما قتل في الطريق.
وفي هذه القصيدة بعض الأبيات الجميلة:
وقد يتزيا بالهوى غير أهله
ويستصحب الإنسان من لا يلائمه
ومنها وصفه لسيف الدولة وهو جالس تحت المظلة التي عليها الصور:
وأحسن من ماء الشبيبة كله
حيا بارق في فازة أنا شائمه
عليها رياض لم تحكها سحابة
وأغصان دوح لم تغن حمائمه
وفوق حواشي كل ثوب موجه
من الدر سمط لم يثقبه ناظمه
ترى حيوان البر مصطلحا به
يحارب ضد ضده ويسالمه
ثم ينتقل إلى مدح سيف الدولة فيقول:
لقد سل سيف الدولة المجد معلما
فلا المجد مخفيه ولا الضرب ثالمه
على عاتق الملك الأغر نجاده
وفي يد جبار السموات قائمه
تحاربه الأعداء وهي عبيده
وتدخر الأموال وهي غنائمه
ويستكبرون الدهر والدهر دونه
ويستعظمون الموت والموت خادمه
والمعروف عن سيف الدولة أنه كان أغزى الملوك، حتى انه كان قد جمع نفض الغبار الذي تراكم عليه في غزواته، وعمله لبنة بقدر الكف وأوصى أن توضع هذه اللبنة تحت خده في لحده، وهكذا كما كان يرُوى.
ومع أن سيف الدولة كان كثير الغزوات، فقد كان شاعراً مجيداً وناقداً للشعر، ولم يجتمع بباب أحد من الملوك كما اجتمع وتزاحم الشعراء على باب سيف الدولة.. منهم السري والرفاء والببغاء والوأواء وأشهرهم المتنبي وكان مثار حسدهم.
ولسيف الدولة أشعار جيدة، منها مثلا أنه كانت له جارية من بنات الملوك الروم، وكان شديد المحبة لها حتى خاف عليها من بقية جواريه فنقلها إلى مكان آمن في أثناء غيابه وحروبه قال فيها:
راقبتني العيون فيك فأشفقت
ولم أخل قط من إشفاق
فتمنيت أن تكوني بعيداً
والذي بيننا من الود باق
رب هجر يكون من خوف هجر
وفراق يكون خوف فراق
ومما يذكر في مسألة مديح المتنبي لسيف الدولة، أن سيف الدولة استنشد أبا الطيب قصيدته:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدر الكرام المكارم
فاندفع أبو الطيب ينشدها، إلى أن بلغ قوله:
وقفت وما في الموت شك لواقف
كأنك في جفن الردى وهو نائم
تمر بك الأبطال كلمى هزيمة
ووجهك وضاح وثغرك باسم
وكان سيف الدولة ينتقد مواضع الشعر الجيد من الرديء، كما كان له رأي فيما يقوله الشعراء وما قيل من قبل في الشعر الجاهلي، هذا هو المتنبي مع سيف الدولة، وكان يقول فيه الشعر صادقاً لإعجابه بشجاعته وأدبه.

عبدالله خلف

المصدر جريدة الوطن

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.