كثيرون يقولون إن المعارضة الكويتية بمختلف مكوناتها انتهت أو تخدرت أو أضاعت البوصلة أو أنها تستجمع قواها من جديد بأطر وهيكليات جديدة.
وكثيرون يتحدثون عن سقوط مشروع المعارضة لأنه لم يكن واضحاً أو معبراً عن مصالح من تم الحديث بأسمائهم. يقولون إن المشروع الوحيد الذي شكل العمود الفقري لتحرك المعارضة كان مشروع تيار واحد يملك خبرة كبيرة في العمل السياسي والتنظيمي أما الباقي فأنواع: نوع تقاطعت مصلحته مع مصلحة هذا التيار فسار معه في الطريق نفسه آملا بالافتراق عند تحقيق الأهداف. ونوع تحالف بحسن نية مع هذا التيار على أساس الشعارات المعلنة. ونوع تم استغلاله ولم يدرِ أنه بدأ بشعار معين وانتهى بشعارات أخرى.
وكثيرون يقولون إن جزءاً من المعارضة سقط في فخ شعاراته، ويعتبرون أن أسلحة القبلية والمذهبية التي استخدمت في التحركات انقلبت على الحراك السياسي سلباً لا إيجابا لأن هذه الشعارات يمكن أن يستغلها طرف ليوم أو أسبوع أو شهر لكن انفلات العصبيات أول ما سيحرق سيحرق بيته من جهة كما أنه سيشغله عن القضايا الإصلاحية من جهة أخرى ويبقيه أسير النعرات والخطاب الفئوي والمذهبي المتطرف.
وكثيرون يقولون إن الغربة التي حصلت بين بعض المعارضة وشباب الكويت المتحمس للتغيير والإصلاح هي التي أخمدت نار الحراك السياسي، ويرون أن الشباب دفعوا أثمانا من حريتهم الشخصية ومستقبلهم من أجل أهداف نبيلة لا من أجل مصالح فئوية أو شخصية أو مشاريع عابرة للحدود، ويعتبرون أن هؤلاء الشباب تحملوا بكل جرأة مسؤوليتهم بينما غيرهم هرب من تحمل المسؤولية إلى الشعارات الطنانة الرنانة التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
وكثيرون يقولون إن المعارضة لم تكن في حاجة إلى هذا السقف غير المسبوق من التصعيد كي توصل صوتها بل كانت الطرق القانونية والدستورية هي الأقصر لايصال الصوت وتحقيق الأهداف، ويستدلون على ذلك بالتظاهرة التاريخية الأولى التي حصلت بترخيص مسبق من وزارة الداخلية وكانت حاشدة وراقية وبمواكبة أمنية، ثم يتحدثون عن عدم استساغة أطراف في المعارضة للتظاهرات المرخصة لان لا مواجهات فيها ولا صدامات مع رجال الأمن ولا صور تملأ الفضائيات عن «قمع الحراك الشعبي» ولذلك عادوا إلى المسيرات غير المرخصة والفوضى التي صاحبتها.
وكثيرون يقولون إن النظام الدستوري القضائي التشريعي لعب دوراً كبيراً في تصحيح بعض السياسات العامة من خلال القضايا التي عالجها وأهمها أن إعادة النظر ممكنة في المراسيم الأميرية لجهة تحصينها أو تعديلها، إضافة إلى تغليب المصلحة الوطنية العامة على المصالح الطائفية والمذهبية والفئوية، واتخاذ القرارات الكفيلة بـإعادة الكرة إلى ملعب الشعب من خلال الانتخابات وأصوات الصناديق… وهذا كله ساهم في إضعاف بعض الأصوات المعارضة التي كانت تنادي بالتدابير نفسها إنما بلغة أخرى.
وكثيرون يقولون إن مشروع المعارضة لم ينكسر ولم ينكفىء وإنما أخذ استراحة محارب في انتظار عودة الناس إلى الديرة وانتهاء الإجازات، ففي الكويت خصوصية لا توجد في أي دولة في العالم وهي أن النضال نفسه مرتبط بشيء من الرفاهية، والجميع يتذكر كيف أن إحدى التظاهرات أجلت أسبوعا لانشغال الشباب في مخيماتهم الربيعية. ويرى هؤلاء أن رموز المعارضة سيعودون إلى تصدر المشهد السياسي إنما من دون «حلفاء» أثبتت الأيام أن مشروعهم لا علاقة له بمشاريع هذه الرموز.
… وسواء صح كل ما قيل (ونحن في ديرة يقولون) أو صح جزء منه أو كان كله خطأ في التشخيص والتحليل، فأنا أقول إنه لا بد من عودة المعارضة ولو طال السفر، ولا يمكن أن أتخيل نفسي في بلدي الكويت الذي كان منارة الدستور والديموقراطية من دون أصوات معارضة راقية متزنة تضع النقاط على الحروف وترسم مشاريعها وخططها تحت سقف القانون والدستور والأنظمة المرعية وتطرق كل الأبواب الشعبية والمؤسساتية لإيصال صوتها وتحقيق أهدافها.
أريد للمعارضة ان تعود إلى واجهة المشهد السياسي، وأن تكون معارضة أشبه بحكومة ظل. أعضاؤها من المتخصصين في مختلف الملفات. يرصدون المخالفات والتجاوزات ويعقدون الندوات والمؤتمرات الصحافية ويقيمون ورش عمل يكشفون من خلالها أسباب تراجع المشاريع التنموية وتأخرها. يفتحون دفاتر الوزارات والإدارات ويحولون القضايا العامة إلى قضايا مطلبية يشترك فيها الجميع لان كل قطاعات الدولة تهم الجميع.
نسقت المعارضة مع المجلسين أم لم تنسق. رفضت المجلسين أم قبلت بهما. احترمت الخيارات الأخيرة لجزء كبير من الشعب الكويتي أم فضلت صيغة النظام الانتخابي الخاص بها… نريدها جزءا من المشهد السياسي. معارضة موزونة متزنة عاقلة متحضرة خطابها وطني كويتي صرف تعمل على تصحيح مسار النظام لا على إعادة انتاج النظام، وهذه النقطة في نظري هي النقطة المحورية التي أضاعت كل مكتسبات المعارضة، فبينما كان هناك من يعمل على التصحيح والتطوير كان الى جانبه من يعمل على إعادة إنتاج النظام وهو امر مرفوض من غالبية الكويتيين.
نريد المعارضة، ونريدها أكثر لأن المؤسسات القائمة لا تكفي للتطوير فالتطوير هدف أمة بأسرها، ونريدها أكثر فأكثر لتشتغل على ملفات تنموية داخلية تصدر تجاربها إلى الآخرين لا لتستورد ملفات خارجية سياسية وطائفية وتشعلها في الكويت. ونريدها أن تجري نقدا ذاتيا لكل المرحلة التي سبقت وأن تصفي خطابها وهيكلها الحركي وتنقيه من الشوائب وأن تؤكد شعار «الكويت هي الحل» في أي تحرك، وأن يكون الشباب مشاعل ينيرون دربها لا أن يُضحى بهم في محارق المساومات والصفقات.
الكويتيون حراس طبيعيون للحريات والديموقراطية والدستور والمبادرات. يبقى أن يحددوا المسار المناسب للتقدم وسط كل الزحمة والفوضى والمشاكل التي عبرت، وهذا المسار لا يستقيم من دون مشاركة كل مكونات المجتمع… والمعارضة جزء لا يتجزأ منها.
جاسم بودي
المصدر جريدة الراي
قم بكتابة اول تعليق