خالد الجنفاوي: “عقلية الأساطير” شخصانية ومُنفصلة عن الواقع

يتمثل جزء معين من الأزمة الفكرية والذهنية العربية في عالمنا المعاصر في ذلك الفشل المتواصل لجانب معين من الذهن الجمعي عن مواكبة التطورات العلمية والحضارية في عالم اليوم. فالمشكلة الحقيقية والتي لا تزال حاضرة في بعض السياقات الاجتماعية والثقافية العربية تتمثل في الغياب الملاحظ للعقلية العملية ورواج العقلية الأسطورية, التي لاتزال تستند إلى التخيلات والأحلام الوردية, ولا تزال ترتكز في طريقة تفكيرها على الانفصال عن الواقع اليومي, فهذا النوع من العقليات الأسطورية والتي لا تزال تتعيش على التمنيات المبالغ فيها ترسخ التخلف والرجعية الاجتماعية, وتمنع انتقال المجتمع إلى مرحلة أكثر تطوراً وتقدماً (Progress). ما يأتي بعض صفات العقلية الاسطورية, لعل في شرح نتائجها الكارثية حافزاً لتجنبها وتفاديها:

عقلية الأساطير تحاول تغليف الماضي بمثالية كاذبة.
عقلية الأساطير منفصلة عن واقعها اليومي و”تفكر” وفق إنموذج فكري عفا عليه الزمن.
من يفكر بشكل أسطوري لا يزال يعتقد أن الانفعالات العاطفية والتمنيات المبالغ فيها رديفة لتحقيق النجاح الفعلي!
عقلية الأساطير خليط من الفوضوية وقلة الإنتاجية والاحباط الذاتي.
ترفض عقلية الأساطير العمل بشكل جاد ومسؤول بهدف تحقيق النجاح المطلوب, وإن كانت تتمنى العمل, ولكنها تتفاداه بسبب تململها ومزاجيتها الشخصانية.
لا تهتم عقلية الأساطير بالوقت, فبالنسبة لهذه العقلية اللا-عملية, الوقت موجود غصباً عنها وعليها التعامل معه بشكل أو بآخر بهدف تضييعه والتهرب منه.
تتضايق عقلية الأساطير من لغة الأرقام ونتائج الدراسات العلمية والاحصاءات, فهي تعتقد أن التحليلات العلمية الدقيقة تكشف عن واقع مرير يجب الهروب منه وعدم مواجهته.
تؤمن عقلية الأساطير بخرافة البطل الأسطوري خارق القوة والذي سيأتي يوماً وسيحل بعصاه السحرية كل المشكلات والأزمات وسيحول الفشل إلى نجاح والهزيمة إلى إنتصار.
تتضايق عقلية الأساطير من ذلك الفرد الذي يحاول تكريس التفتح الذهني في مجتمعه وتنفر من ذلك الفرد الذي يدعو أبناء مجتمعه الاخرين إلى تكريس التسامح وقبول الاختلاف والتعددية الفكرية فيما بينهم.
تبرر عقلية الأساطير العنف والقسوة والبطش ضد أبناء الوطن الآخرين والمختلفين, لأن هذا السيناريو السوداوي يبدو انه يتطابق مع ما تمليه بعض الشعارات “البطولية” الرنانة واللا-واقعية.
عقلية الأساطير مكبوتة باختيارها الشخصي, وترفض مواجهة واقعها المرير, وتتجاهل الإيفاء بمسؤولياتها وواجباتها الاجتماعية.
تخاف عقلية الأساطير من الحرية الحقيقية, فمن لم يذق من قبل الطعم اللذيذ لحرية التفكير سيصعب عليه استساغته لاحقاً.

كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com

المصدر جريدة السياسة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.