حلفاء موسكو العرب لا يتعلمون الدرس, هذا امر لا يقبل الشك, فكم مرة ورطهم الاتحاد السوفياتي, ومن بعده وريثته روسيا, في مآزق سياسية ومعارك عسكرية وتركاهما وحدهم يواجهون الهزيمة, وليست “وكسة” العام 1967 الا المثال الاوضح في ذلك, عندما ورط الاتحاد السوفياتي مصر وسورية من خلال ما ابلغه سفيره لجمال عبدالناصر ان اسرائيل تستعد لحرب خاطفة, فما كان من ناصر الا ان اغلق مضائق تيران مشعلا حربا هزُم فيها العرب بعد ست ساعات, وطار ما تبقى من فلسطين اضافة الى سيناء والجولان, ولم يقف التوريط الموسكوفي عند ذاك الحد, اذ تبعه توريط حليفهم في العراق ومن بعده حليفهم الليبي.
في كل مرة كان الكرملين يدفع بأولئك الحلفاء الى اقصى حدود التهور, فهذا عبدالناصر عام 1967 يرحب بالحرب ويقول:”اهلا وسهلا بالمعارك لقد اعددنا العدة لنرمي اليهود في البحر”, لكن ما حصل كان عكس ذلك, وعشنا سنوات القهر حتى جاء العام 1973 وازال انور السادات بالعبور مرارة الهزيمة من افواه العرب.
السؤال اليوم: هل الى هذا الحد مصابة الذاكرة العربية بالنسيان, ألم يتعلم حلفاء روسيا في المنطقة من عبر الماضي, فما برحوا يتبعونها في كل ما تفعله بهم الى النهاية؟ هذا ما يتبادر الى ذهن المراقب حين يقرأ خبر”السياسة” في عدد امس عن توريط روسيا الحكومة السورية في القصف الكيماوي من اجل جرها الى طاولة المفاوضات في جنيف, فهل الدم العربي رخيص الى هذا الحد عند الروس وغيرهم من الساعين الى “جنيف 2” لتحقيق بعض المكاسب وليس من اجل مستقبل سوري اكثر سلاما واستقرارا؟
المنطقة برمتها خائفة من تبعات اي عملية عسكرية غربية في سورية, فيما العالم الذي حرم, منذ نحو 90 عاما, استخدام السلاح الكيماوي بعد الفظائع التي شهدتها الحرب العالمية الاولى, لن يتسامح بهذا الشأن مهما كانت المحاذير, لكن هذا العالم المستعد للمحاسبة هو نفسه الذي تسعى دوله تحت اليافطة الاخلاقية والانسانية الى تحقيق مصالحها, وحين تصل الى اهدافها تترك الساحة للفوضى, كما هي الحال في الصومال وافغانستان والعراق.
المفارقة المضحكة المبكية في آن واحد, ان الولايات المتحدة الاميركية ليست افضل من غيرها في هذا الشأن, فهي عند اول منعطف تسحب جيشها من ساحة المعركة, وخير مثال على ذلك ما حصل في لبنان عام 1983 حين تركته للفوضى بعد تفجير مقر المارينز وسقوط 237 جنديا لها, حتى انها لم تدافع عن هيبتها, وهذا ما حصل, ايضا, في الصومال يوم سحبت جنودها بعد سقوط عدد منهم في الحرب.
نعم, كلهم يذهبون الى الحرب بوعود وشعارات براقة, بل يذهبون الى الخراب والتدمير والقتل ولتحقيق مصالحهم الخاصة الا انهم لا يرسخون سلاما, فتتحول الدول التي تقع فريسة لهم دولا فاشلة, بل تعيش مقتلة كبرى لسنوات.
وفي هذا فإن موسكو وواشنطن وجهان لعملة واحدة, فالاخيرة تخلت عن حلفائها في لحظات حرجة في اكثر من مكان, فهل يمكن الرهان عليها من جديد, لا سيما اليوم الذي تكاد تتشابه ظروفه مع ظروف الانتخابات الرئاسية التي بنى فيها باراك اوباما حملته على الوعد بسحب جيشه من العراق, وعندما فاز بدأ يمهد لولايته الثانية عبر مهادنة ايران لتجنب ارهابها ضد جنوده المنسحبين, بل انه جعلها اللاعب الاقوى في بلاد الرافدين, وتقاعس عن مناصرة الحق البحريني وغض الطرف عن الارهاب الايراني في المملكة في سبيل ذلك.
واوباما الديمقراطي اليوم لن يكون افضل حالا من الامس, فحزبه يواجه انتخابات تمهيدية بعد اشهر قليلة ولذلك سيسعى الى تحقيق مصالح حزبه اولا عبر دفع المنطقة الى فوضى جديدة ومن ثم التخلي عنها وسحب قواته من البحر المتوسط حين تفرض المصلحة الانتخابية ذلك؟
الروس يورطون العرب, والاميركيون يسعون الى تحقيق مصالحهم ويتخلون عن الحلفاء, فهل يتعلم العرب الدرس ام سنشهد مقتلة جديدة يتحول فيها الدم العربي صفقات على موائد المفاوضات؟!
أحمد الجارالله
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق