صلاح العتيقي: إلى الشباب مع التحية

قديماً قيل «من مارى فعليه أن يقرأ فلا رأي لغير مطلع عليم»

لقد خلقنا الله متساوين نسبيا في القدرات والمهارات، حيث يولد الإنسان وفي ذاكرته صفحة بيضاء تُملأ بالقراءة والممارسة والعلم والجهد والتعب والاطلاع على تجارب الآخرين، لذلك نستطيع القول ان الاستقلالية والطموح والقدرة والمهارة والصبر هي الأدوات التي يجب ان يعتمد عليها الإنسان في حياته ورقيه، هذه المكونات يجمعها التفكير، وهي مرحلة متقدمة من العلم، واجهاض هذه المرحلة قد يشكل خطراً وعقبة تعيق سعي الإنسان نحو التطور، وهذا ما يميز الناس بعضهم عن بعض، فحاول ان تطلق العنان للتفكير كلما سنحت لك الفرصة.

نصيحتي لابنائي ألا تعتمدوا في رقيكم وتقدمكم ووصولكم إلى مراكز مرموقة في العمل والحياة على أمور وأشياء ليس لكم دخل في ايجادها، ككونكم مقربين من متخذي القرار أو من أصحاب الثروات أو كونكم من الذين تجري في عروقهم «دماء زرقاء» وهذا ما كان يفعله النبلاء في القرون الوسطى الذين يتباهون بأصولهم وفروسيتهم، بينما هم في حقيقة الأمر فارغو العقول يحاربون طواحين الهواء كما يصف الكاتب والأديب الأسباني سرفاتتس بطل روايته «دون كيشوت» الذي يريد ان يملأ الكون عدلاً بعد ان ملئ جوراً على حد تفكيره.

اتلفت حولي فلم أجد أحداً ناجحاً في الحياة لم يتعب أو يشقى أو يواصل الليل بالنهار، وتذكروا ان لا شيء يحصل في الحياة اعتباطاً، انما يجري كل شيء وفق سنن الله تعالى التي لا تحيد ولا تحابي أحداً من الخلق حتى وان كانوا من ذرية قوم صالحين، وفي ذلك يقول المولى جل وعلا في سورة البقرة «وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ».

كان الملوك والأمراء يقدرون العلم والأدب ويعطون الناس ما يستحقون من ثناء ان هم أحسنوا، دخل فتى الى بلاط المأمون فأحسن الكلام فقال له المأمون ابن من انت؟ قال الفتى أنا ابن العلم والأدب، فقال له المأمون: نعم النسب انتسبت اليه، فالرجل من حيث يوجد لا من حيث يولد، ومن حيث يثبت لا من حيث ينبت.

وفي هذا قال الشاعر:

«كن ابن من شئت واكتسب أدبا

يغنيك محموده عن النسب

ان الفتى من يقول ها أنذا

ليس الفتى من يقول كان أبي»

لست مثاليا ولا أنشد المثالية، ولست حكيماً فهذه أيضاً بعيدة، ولكن العقل والمنطق يجعلانك تفهم أشياء لو علمتها في حينها لكنت من المحظوظين، ولكن لله في خلقه شؤون، وهو القائل: «من يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً».

د. صلاح العتيقي
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.