جاسم بودي: إطفائي في … البيت الأبيض

اللقاء بين سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد والرئيس باراك أوباما مختلف، فزعيم البيت الأبيض كان أمام زعيم خليجي وعربي يمتلك إرثا من التجارب لا يمتلكه غيره نتيجة خبرته الطويلة في العمل الديبلوماسي ودوره التاريخي كـ «إطفائي» حاصر نيران أكثر الأزمات تعقيداً في المنطقة.
لم يكن أوباما أمام زعيم منغمس في أجندات ومشاريع خاصة، ولم يسمع بالطبع ما يحب سماعه بالنسبة إلى السياسة الأميركية في المنطقة حيث يتبارى كثيرون في حضرة الرئيس على كيل المديح لسيدة العالم وتأييد كل ما تفعله لتكريس دورها كقوة عظمى. لم يقل «شيخ الحكماء» لأوباما إن عليه أن يضرب أو لا يضرب. أن يغض النظر أو لا يغض النظر. أن يقدم أو يتراجع، فمن يعرف الشيخ صباح الأحمد يدرك أنه يبدي رأيه في كل المواضيع استناداً إلى «دفتر مبادئ» كتبته التجربة، ويعطي النصيحة الصادقة استناداً إلى رؤية تتسع آفاقها كلما ارتقى المسؤول إلى مستويات غير مسبوقة تتوخى مصالح البلاد والعباد، ويساعد محاوره على اتخاذ القرارات الأفضل لتحقيق النتائج بأقل التكاليف… والكوارث.
كسر سمو الأمير قاعدة النصيحة والتشاور وتبادل الرأي لمصلحة طلب واحد: عودة ما بقي من الكويتيين في معتقل غوانتانامو. فالكويت رسالة ولا رسالة من دون إنسان، وإنسانها في عرف الأمير جوهر رسالتها وهو لذلك لا يدع بابا إلا ويطرقه من أجل هذا الهدف، من دون أن ينسى تذكير محاوره بالتزاماته الشخصية إذ قال في ختام المحادثات: «لقد عرضنا موضوع استمرار احتجاز المعتقلين الكويتيين وطالبت فخامة الرئيس بسرعة الإفراج عنهما على ضوء التزام الرئيس بإغلاق معتقل غوانتانامو».
من العلاقات الثنائية، إلى التعاون في مختلف المجالات، إلى الإرهاب، إلى أوضاع العالم العربي وتحديدا أمن الخليج والعراق والتغييرات في مصر ومأساة سورية… تحدث صباح الأحمد بلغة واحدة وفق رؤية واحدة. استمع الرئيس الأميركي إلى حكم وحكيم لا إلى لاعب ومقاتل ومندفع. استمع إلى زعيم عاقل هادئ في زمن تتجمع فيه الرؤوس الحامية في السياستين العربية والدولية مثل تجمع البوارج المسلحة في البحر المتوسط.
في ختام لقائه سمو الأمير، قال نائب الرئيس الأميركي جو بيدن لفريق عمله إن إدارة الشيخ صباح الأحمد للملف العراقي وسط «حفلة التصعيد» والتهديد عراقيا وكويتيا، أظهرت كم أن الصبر والحكمة وإعلاء شأن المبادئ على حساب المواقف اليومية والمصالح الظرفية «تساعد في إطفاء الحرائق». وقد يكون ذلك أهم انطباع تركته القمة في الإدارة الأميركية… الحكمة قوة عظمى أيضاً والمبادئ أسلحتها.
جاسم بودي
المصدر جريدة الراي

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.