نلوم من انحرف بالحديث في ساحة الإرادة، لكن يجب ألا ننسى أن البذاءات انطلقت من قاعة البرلمان قبل ذلك بسنوات.
***
شاءت الأقدار أن يرحل عنا أمس الأول رجل نادر، شجاع، لا يعرف الانكسار هو جاسم القطامي 1929- 2012، ولن أبذل كلمات هذا المقال في سرد سيرة هذا الرجل الذي وهب نفسه للكويت، إذ بإمكان أي منا أن يبحث عن تاريخه في محركات البحث الإلكترونية، فهو الكاتب الأدبي، ورجل الأمن، والسياسي، والدبلوماسي، وممثل الشعب وقائد الحركة الحقوقية في الكويت والوطن العربي.
كان شرفاً لي أن أعمل مع جاسم القطامي في العمل الحقوقي، والذي بدأ باتصال كريم منه شكّل لي مفاجأة كبيرة يدعوني فيه إلى الانتساب إلى الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان بسبب ما سمعه عن اهتمامي بهذا الجانب، والذي كان للدكتور الصديق غانم النجار فضل كبير في تنميته ولايزال. كان ذلك الاتصال في عام 1994، حدثني فيه عن أهمية دور جيل الشباب وضرورة حملهم لواء التنمية والتطوير في كل الميادين التي تحتاجها الكويت، وما كان من شاب مثلي إلا أن يستجيب لنداء من رجل بهذا الحجم والمكانة والسمعة، وحدث أن تم تعييني في مجلس إدارة الجمعية غير المشهرة آنذاك، واكتشفت من الاجتماع الأول أنني الأصغر بينهم جميعاً.
وجدت نفسي بين د. حسن الإبراهيم، ود. سعاد الصباح، وأ. عبدالله غلوم الصالح، ود. خلدون النقيب، وعبدالعالي ناصر العبدالعالي، وعلي الرضوان، وبدر العجيل، والأخ عبداللطيف الصقر وغيرهم كثيرون.
انطباعاتي الشخصية عن هذا الرجل، ومن خلال عملي معه لـ8 سنوات أنه ينبض حيوية رغم تقدمه في السن وظهور بوادر التدهور الصحي الذي عطل نشاطه وظهوره، وهو رغم ما يبديه من جدية وصرامة وتشدد في العمل والنشاط العام فإنه صاحب قلب حانٍ وعطوف، يعشق الشباب ويؤمن بدورهم، حريص جدا على مواعيده، يواجه المشاكل بشجاعة نادرة، حاسم لا يحب المماطلة، ولذا يسهل على خصومه مواجهته بسبب وضوحه.
في أي تجمع شبابي كان يبث روح الأمل بينهم وكأنه في العشرينيات من عمره، كان يرحمه الله يخجلنا بحيويته وتدفق نشاطه، فيبذل من ماله الخاص لتسيير الكثير من الأعمال التطوعية العامة، وقبل أن ينال منه المرض انتخب رئيسا للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في القاهرة، وكان ذلك بمنزلة تتويج لنضاله الطويل من أجل الكرامة والحرية.
وحول مأساة العمل السياسي والبرلماني الجاري اليوم في الكويت، فإنه حري بكثيرين ممن يعملون في هذ الحقل أن يسترجعوا سيرة هذا الرجل الصلب والشجاع والذي لم يسئ إلى خصومة رغم صعوبة المواقف التي مر بها في عمله العسكري في الشرطة والعمل السياسي الشعبي، ولاحقا في عضوية مجلس الأمة حيث كان من أوائل من اقترح منح المرأة حقها السياسي كاملا عام 1975 مع العضو راشد الفرحان، وهو المجلس الذي حل قبل مناقشة اقتراحه.
جاسم القطامي رجل صلب وعصي على خصومه، لكنه لم يجرح أحداً يوماً بكلمات غير لائقة كما يستسهل كثيرون اليوم ذلك؛ ظناً منهم بأنها جزء من الشجاعة.
رحم الله هذا الرجل الذي خدم الكويت في أكثر من موضع ومكان، وأترككم مع هذا الرابط لنتذكر معا مواقفه الجريئة أيام ما سمي بـ”الحوار الوطني” الذي قاده آنذاك سمو ولي العهد ورئيس الوزراء الشيخ سعد العبدالله، وتولد عنه ما يسمى بـ”المجلس الوطني” الذي رفضه الشعب.
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق