«قبيحة» هي أجمل بنات عصرها، والاسم من أسماء الأضداد تجنباً للحسد، تزوجها المتوكل وفضّلها على نسائه وجواريه.
أساء المتوكل التصرف عندما قسّم الدولة الإسلامية الكبرى بين بنيه الثلاثة. وسجل شروطا في البيعة يلزم بها المنتصر عند توليه الخلافة.
وكتب المتوكل كتاباً جعل لابنيه المعتز والمؤيد تمام الاستقلال في أعمالهما إذا آلت الخلافة للمنتصر بحيث لا يتدخل الاثنان في عمله.. وكانت امرأته (قبيحة) وراء كل الأخطاء التي التفت بالمتوكل وعصفت بمهابة الخلافة.
وهكذا كان المتوكل مغلوبا على أمره تحت تأثير حبيبته (قبيحة) وإيثاره لولدها، وأخذ المتوكل يحقر المنتصر ويهينه أمام جلسائه ليخلو الجو للمعتز.
حتى فكر المتوكل عن طريق مستشاريه، بينهم الفتح بن خاقان الوزير وابن أخيه عبدالله بن يحيى ومن ورائهم (قبيحة)، للفتك بالمنتصر وهو ابنه الكبير.
يقول الطبري ج9/ 225:
التفت المتوكل إلى الفتح بن خاقان وقال له: برئتَ من الله ومن قرابتي من رسول الله إن لم تلطم المنتصر وهو في مجلس الخلافة، فقام الفتح بن خاقان ولطم ولي العهد المنتصر لطمتين.. فقال المنتصر:
يا أمير المؤمنين لو أمرت بضرب عنقي لكان أسهل علي مما فعلته بي.. وأخذ يهين ابنه حتى خلعه من ولاية العهد.
وكل ذلك كان يحط من هيبة دولة الخلافة..
وفي جمعة من رمضان سنة 247هـ أمر المتوكل المنتصر بالصلاة بدلا منه حتى غيرت (قبيحة) رأيه ليأمر المعتز بإقامة الصلاة.. وفي ذلك إشارة سياسية أن يكون المعتز هو خليفة المتوكل إن جرى له أي تغيير.. وخرج كبار القوم يتقدمهم بنو هاشم لحضور صلاة الجمعة خلف الخليفة المتوكل ولكن حصل التغيير المذكور.. ووقف أحد المصلين في ختام الصلاة قائلا: ما رأيت رجلاً على منبر أحسن قواماً ولا أحسن بديهة، وأجهر صوتاً ولا أعذب لسانا ولا أخطب من المعتز.
وسمع المنتصر وأحس بالطعنات الموجهة إليه واستيقظ الشيطان بداخله.. ورسم له مبتغاه، وأن كرامته لا تُسترد في أعين الناس إلا بالقضاء على سلطة أبيه.. فاجتذب لمعسكره بعض أشداء الترك من حاشية أبيه بالمال والمصانعة حتى استمال قلوبهم وهم الذين كانوا في الثورة ضد المتوكل سنة 244هـ.
واتفق المنتصر ومن اختارهم على قتل الخليفة المتوكل.
قال البحتري الشاعر:
ابتيع للخليفة المتوكل سيف من اليمن بعشرة آلاف درهم وقال للفتح بن خاقان اطلب لي غلاماً تركياً تثق به بنجدته وشجاعته وادفع له هذا السيف ليكون واقفا به على رأسي، وقال البحتري: فوالله ما انتضى ذلك السيف ولا خرج من غمده من الوقت الذي دفع إليه إلا في الليلة التي ضرب فيها باغر التركي ضربته.. حفر المتوكل قبره بيده عندما ميز ابن زوجته الحبيبة الأثيرة (قبيحة) وأبعد ابنه وولي عهده وأهانه وازدراه في مجلسه أمام جلسائه.
وهكذا اتفق المنتصر مع حارس أبيه، باغر التركي ليضرب أباه بذلك السيف اليماني.. وكان ذلك في ليلة الخميس الثالث من شوال سنة 247هـ ويروي شاهد عيان وهو البحتري يقول:
أقبل باغر ومعه عشرة نفر من الأتراك فضرب باغر الخليفة المتوكل وهو على سريره أي منصة الخليفة.. وقتل كل من أخذ يدافع عنه وأولهم الفتح بن خاقان، ولفه معه بسجادة تلطخت بالدماء.
واستلم الخلافة المنتصر وبطش بالمعتز وأبعد أمه (قبيحة).. وعقب الشيخ الخضري قائلا: هذه الحادثة هي أول غرس المعتصم فإنه استكثر من الجند والحراس من الأتراك.
عبدالله خلف
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق