محمود حربي ناعيا القطامي: رحل انسان المبادئ والقيم

عندما وقفت أمس وسط ابناء الراحل الكبير اثناء عملية الغسل ورأيت الوجه المسجى امامي ناصع البياض كأنه في غفوة يعود بعدها.. تذكرت إرادة الله، ان يرحل الرجل بعد أيام قليلة من رحيل رفيق دربه وشريك نضاله المرحوم عبدالمحسن الدويسان.
شاءت إرادة الله ان أفقد في أسبوع واحد اثنين من أعز الناس الى قلبي، تذكرت أبا جاسم القطامي، وذهب بي التاريخ بعيداً الى المدرسة الابراهيمية الثانوية في القاهرة عندما ذهب اليها طالباً، وكان البطل الرياضي الذي حصد ميداليات القاهرة باسم المدرسة، ومر شريط الذكريات سريعاً الى قائد الشرطة الذي آمن بالمبادئ والمثل العليا ورفض أوامر التصدي للتظاهرات التي خرجت في الكويت تندد بالعدوان الثلاثي.
وانتقل الشريط الى النقطة المضيئة في عام 1959 في ثانوية الشويخ عندما كانت صيحة القطامي عندما قال «لا بد ان للشعب نوابه ووزراءه ودستوره»، وعلمت من رفاقه انه تحمل المسؤولية كاملة في هذا الموقف، ولم يطلع احدا على ما سوف يقوله.
هذا هو جاسم القطامي الذي ينتصر لمبادئه دائماً، تاريخ جاسم القطامي ناصع البياض، وعندما يكتب تاريخ المنطقة بتجرد بعيداً عن المجاملات، فان اسم جاسم القطامي سيكون جوهرة التاج للحركة الوطنية في الكويت ومنطقة الخليج.
لقد قدر لي الزمن ان اكون ملازماً للراحل الكبير وبشكل شبه يومي خلال الخمسة والعشرين عاماً الأخيرة، وتابعت نضاله اليومي وانتصاره الدائم لمبادئه التي آمن بها.
لقد كان داعية حقيقيا لحقوق الانسان، وكانت قضايا حقوق الانسان العربي هي شغله الشاغل في الفترة الأخيرة، ورغم تقدم السن لم يهدأ، وكان يتابع انتهاكات حقوق الانسان في كل مكان، وأتذكر كيف كانت أسر خليجية تتعرض لانتهاكات حقوق الانسان، وتلجأ للرجل الذي كان لا يتوانى عن القيام بما يمليه عليه ضميره.
لقد كان الرجل متسقاً مع مبادئه في تصرفاته وعلاقاته مع الناس، وقد عشنا هذه التجربة الانسانية الفريدة، لم يفرق القطامي يوماً بين الكويتي وغير الكويتي.
لم يفرق بين الرجل البسيط وصاحب المنصب، ولم يقصر في واجب على المستوى الانساني، ذهب الى الامارات لتقديم التعازي في الراحل كريم عمران وذهب الى القاهرة للمشاركة في تأييد أحمد صدقي الدجاني والى غيرهما.
كان للقطامي الرمز موقع خاص في المنظمات العربية، اذ شارك في اجتماعات حقوق الانسان، يأتي الجميع اليه للترحيب والاحترام، كان السند الحقيقي لحركة حقوق الانسان العربية، ورغم ظروف السن فانه كان الأكثر التزاماً والأكثر حرصاً على التواجد قبل الآخرين، وعندما كنت أناقشه كان يقولي لي: «القيادة مسؤولية، ويجب ان أكون أول من يحضر وآخر من ينصرف».

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.