فرشت خريطة العالم ونظرت بتمعن في حالها وأحوالها، وكم هالني ما رأيته فيها، فبعضها لفه الحزن برداء من الأسمال التي لم تمنع سماع أنينه الذي يخلع القلب من مكانه, أما في الجانب الآخر، فقد رأيت الحياة تدب في الحواضر والأمصار شيبة وشباباً نساء ورجالاً أطفالاً بكل الأعمار، الكل يلهو ويلعب يعيش ويستمتع بكل نعم الخالق. الكل يشارك في بناء المدن ويشيد الحضارات، يفتتح الجامعات والمستشفيات والمشافي، ومختبرات علمية تضم نخباً من العلماء في كل المجالات؛ من اكتشاف الفضاء إلى تركيب الأدوية والدواء إلى علاج البشر من الأسقام، يخترعون كل ما هو مفيد للبشرية حتى وصل بهم الأمر إلى التوصل إلى تقسيم «الثانية» من الوقت إلى ما يساوي ترليون جزء، وبالتأكيد نحن لا ندرك ما هية ذلك، لكنهم هم يدركون لأنهم أحسنوا استخدام ما وهبهم الرحمن من الألباب مع إيمانهم بأن الإنسان خليفة الله في أرضه لتعميرها لا لتدميرها. نرى بشراً يتنقلون في أرجاء الكون ليستمتعوا بمنظر أنهار تتدفق وجبال تعانق السماء، وأودية خضراء، وروابٍ زاهرة، وبحيرات عامرة و… و…، وإذا ما يممت صوب عالمنا العربي فيا هول ما ترى: ستشعر أن جبالاً من الألم والحسرة قد جثمت على صدرك حتى ضاق تنفسك، فتشعر بالغثيان؛ قتل، تفجير، تدمير، قطع من أجساد بشرية، أسلحة بكل أنواعها بما فيها الغازات السامة والأسلحة الكيماوية المحرمة دولياً، فهل يعقل ذلك؟!
تونس الخضراء دخلت في دوامة من الصراعات التي لا أحد يعرف إلى أين تنتهي, ثم ليبيا تحولت إلى حرب عصابات بين أطياف المجتمع وأقاليمه، وتلاشت الدولة «العظمى», ونصل إلى عاصمة العرب القاهرة والنار تشب في مبانيها وتلتهم مستشفياتها وجسورها، وشوارعها تموج بالملايين التي تهتف من أجل ماذا؟
ثم دمشق قلب العروبة النابض الذي شاخ وضاق تنفسه فأصبح ضيقاً حرجاً كأنه يصعّد في السماء، وتجاوز القتال بين أبناء الوطن إلى استخدام الأسلحة الكيماوية أو ما يسمى بالأسلحة «المحرمة دوليا» مع إيماني أن كل الأسلحة يجب أن تكون محرمة، فالقتل بالصاروخ كما القتل بالرشاش أو الغازات، كلها تنتزع أمانة أودعها الخالق فينا. وإذا ما عبرنا الحدود إلى لبنان وجبال الزعتر ووادي التفاح وعبق بعلبك الماضي, نجد أن السيارات المفخخة اغتالت الأمن والأمان في ذلك الوطن الجميل, ثم العراق, واليمن, والسودان, والبحرين. ولعل ما يزيد من الألم والحسرة أن أغلب تلك التنظيمات والأحزاب والجماعات التي تتقاتل على مساحة العالم العربي قد التصقت بالإسلام عنواناً لها ولتفكيرها ونهجها ابتداء من «القاعدة»، و»جند الإسلام»، و»جيش محمد»، و»حزب الله», و»أنصار الشريعة», و»حزب الدعوة», و»الجماعة الجهادية حماس الإسلامية», و»الإخوان المسلمين»، و… و…، وقائمة لا تنتهي كلها اتخذت من الإسلام عنواناً، وأنا على يقين بأنها أكثر من آذى الإسلام وخذله.
هذا الدين القيم دين المحبة والسلام، دين سيدنا محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام الذي قال بما معناه «ما دخل الرفق شيئا إلا زانه, وما نزع من شيء إلا شانه»، فأين نحن الآن من هذا الحديث الشريف؟! ونتساءل بحسرة: متى يحل السلام في بلادنا؟ ومتى تعود البسمة إلى أطفالنا بعيداً عن أطماع الساعين إلى الحكم بأي ثمن؟ ومتى يعود الإسلام نقياً مما شابه من قتل وعنف وإرهاب؟ ومتى يعود ذاك المسلم الذي يحب لأخيه ما يحب لنفسه؟!
ودعاؤنا إلى الله بأن يحفظ بلادنا العربية من كل سوء ومكروه وأن يجنبها الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يحفظ الكويت الغالية وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.
«ليش؟!»
– في شوارع الكويت يمكن رؤية أعداد هائلة من عمال النظافة, ومع ذلك غابت النظافة، وأكوام القمامة تراها في كل مكان… «ليش؟».
– في شوارع الكويت يمكن رؤية أعداد هائلة من عمال الزراعة والتشجير, ومع ذلك أغلب الأشجار قد جفت وتاه لونها… «ليش؟».
– مدينة دبي تستقبل في فترات الصيف والعطل ما يفوق المليون سائح, ويغادر الكويت في فترة الصيف والعطل ما يقارب المليون شخص… «ليش؟».
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق