حكاية جاسم القطامي، رحمه الله، هي حكاية وطن وليست مجرد حكاية إنسان قام بواجبه واعتكف، متابعته ممتعة، منذ أن بدأ يحبو سياسياً، حتى نضجت بداخله فكرة وطن حر، فسعى إلى جعلها حقيقة على أرض الواقع.
من أراد أن يفهم طبيعة وبنية التطور السياسي النضالي في الكويت، فكل ما عليه أن يركز جيداً وبعينين مفتوحتين على سيرة جاسم القطامي، ومن هم على شاكلته. بدونهم وبدون صلابتهم لم يكن لمجتمع بلا نفط أن يتحرك نحو الحرية، في زمن كانت الكلمة فيه مكلفة، فالفرق لم يكن بوجود المال ولكن بوجود أشخاص لا يترجلون بل يظل هم الوطن واستقراره وحريته في داخلهم تدفعهم إلى العمل دون توقف. جاؤوا في زمن الندرة وشح الموارد فكانوا أهم من الوفرة المالية بمراحل.
الكثيرون منا كبشر يرووي الأحداث التي مرت بهم كل حدث بتفصيله، أما جاسم القطامي فأحداثه كلها في ذات السياق بل تجدها هي ذاتها تمثل سياقاً واضح المعالم، فمن اللحظة التي عاد فيها واستلم منصبه كمدير للشرطة في 1954 قرر أن يجعل شعاره المعلن “الشرطة في خدمة الشعب”، فما إن تحرك الشعب للتظاهر تضامناً مع الشعب المصري وضد العدوان الثلاثي الفرنسي البريطاني الإسرائيلي على بورسعيد الباسلة، وطلب منه ضرب المتظاهرين حتى قدم استقالته المسببة، والتي التزم بعدم نشرها لسنوات طويلة حتى تمكن أديبنا الكبير خالد سعود الزيد من نشرها في مجلة البيان التي تصدر عن رابطة الأدباء. سألته ذات مرة، لماذا استقلت؟ هل بسبب التزامك القومي أم لرفضك القمع كمبدأ؟ قال: أنت تعلم أني رفعت شعار الشرطة في خدمة الشعب، وكنت جاداً فيه، فكيف بعد أن بنيت المؤسسة الشرطية على مبدأ خدمة الشعب أن أضرب الشعب؟ وهل تكون خدمة الشعب عن طريق ضربه؟ بالطبع لا. لم أستحسن إجابته فحسب، ولكني شعرت بمشاعر مختلطة بها شيء من الارتياح والأمان وربما شعوري بخسارته كقائد للشرطة حينذاك، وبالتالي لم يكن مستغرباً على شخص بهذه المواصفات أن ينتهي به الأمر إلى أن يصبح رجل حقوق الإنسان الأول على المستوى العربي بلا منازع، فحسه الإنساني كان سابقاً بسنين على توجهاته الكلية.
وصار علينا أن نستوعب أيضاً أن استقالته كمدير الشرطة كانت تعني أنه قد أصبح بلا عمل، وبعد تضييق لعدة أشهر تم تعيينه مديراً لشركة السينما الكويتية، التي من خلالها جرت عدة انتخابات فيها والتي حتى بعد فوزه أصرت الحكومة على إلغاء عضويته هو والدكتور أحمد الخطيب وعبدالرزاق الخالد رحمه الله. هو السياق إذاً لا تخطيه العين، فسياق سيرة جاسم القطامي هو سيرة بروز وطن حر لا يفرق بين أحد، ولذا فلابد أن يكون للحديث بقية.
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق