قبل سنوات عديدة، فوجئنا في البيت بحصول أخي الصغير على درجات عالية في جميع المواد الدراسية، وسبب دهشتنا كانت بسبب علمنا بالمستوى الدراسي الضعيف لأخي.
قررت أن أذهب في اليوم التالي إلى مدرسة أخي، لأفهم سر هذا التحول النوعي في درجاته، فلربما أصبح فجأة من العباقرة ونحن لا نعلم!
ذهبت في اليوم التالي للمدرسة، وقابلت أحد المدرسين، وكان مصريا، وقلت له إنني أعرف أن مستوى أخي الدراسي ضعيف، فكيف حصل على هذا الدرجات المرتفعة؟
المدرس كان صريحاً وظريفاً في الوقت ذاته، وقال لي بالحرف الواحد «اربط الحمار مطرح ما صاحبه عاوز»، ثم أكمل قائلاً إن إدارة المدرسة تريد أن ترفع نسبة النجاح في المدرسة، فطلبت من المدرسين رفع درجات الطلاب، وعندها تبينت أن أخي لم يصبح عبقريا، ولكن إدارة المدرسة قررت أن يتحول جميع الطلاب فجأة إلى عباقرة!
يبدو أن سياسة «اربط الحمار مطرح ما صاحبه عاوز» هي سبب نسبة النجاح الفلكية في نتيجة الشهادة الثانوية لهذا العام، حيث بلغت النسبة في القسم الأدبي 91 بالمئة، وفي القسم العلمي وصلت إلى 95 بالمئة، وهي نسب تشير إلى أن طلابنا – يخزي العين – تحولوا جميعاً بقدرة قادر إلى «عباقرة».
لو كانت نسب النجاح المعلنة تعبر عن حقيقة مستوى طلابنا، لكنا من أسعد الناس، ولكن الواقع يقول إن هذه النسب ليست واقعية، وجزء كبير منها نتيجة «مساعدة صديق» من قبل المدرسين والمدرسات الذين يقومون بـ «تغشيش» الطلاب.
تخريج الطلاب بهذه الطريقة لا يعد مساعدة لهم، بل هو في حقيقة الأمر تدمير لهم ولمستقبلهم، لأن الطلاب المساكين عندما يذهبون إلى الجامعة وهم حاصلون على هذا النسب العالية يتوقعون أن الدراسة الجامعية مجرد «كشتة بر»، ولكنهم سرعان ما يصطدمون بحقيقة مستواهم ويتعثرون في الدراسة، ومن ثم يضطرون لترك الجامعة، وهو أمر واضح من خلال نسبة تسرب الطلبة منها، حيث تصل النسبة العامة للتسرب إلى ما يقارب 30 بالمئة، في حين تصل في بعض الكليات إلى 45 بالمئة، وقد تصل في بعض الأقسام إلى 75 بالمئة.
من الواضح أن التعليم ليس أولوية عند صناع القرار، وأن جل هم كل وزير تربية يأتي إلى الوزارة أن يظهر للناس على أنه من تحققت في عهده أكبر نسبة نجاح في تاريخ الكويت، ولا يريد أن «يزعل منه» أحد، حتى يقول عنه الناس إنه «خوش وزير»، وفي المقابل من يدفع الثمن هو البلد والأجيال المتعاقبة التي ابتليت بالقيادات التربوية التي تسير على قاعدة «اربط الحمار مطرح ما صاحبه عاوز».
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق